ما حدث ويحدث في أمريكا الآن فتح شهية رواد السوشيال ميديا وجنرالات المقاهي ليدلوا بآرائهم في المظاهرات والفوضي العارمة التي اجتاحت 50 ولاية في عنف لم يسبق له مثيل طوال 250 عاما هي عمر العالم الجديد .. ذهب البعض إلي أنها بداية نهاية أمريكا وظهور قوي أخري تقود العالم كالصين وروسيا .. وكان طبيعيا أن يتشفي آخرون فيما حدث انتقاما مما أحدثته واشنطن في العالم العربي سواء من تفتيت وتقسيم وشفط الثروات وتدليل إسرائيل والاعتراف بالقدس عاصمة لها .. جرائمهم لا تعد ولا تحصي .. هي مثال واضح علي الامبريالية الجديدة التي تعتمد علي النفعية والنفوذ المالي والاقتصادي .. “لا أستطيع التنفس” الجملة التي قالها جورج فلويد قبل وفاته نتيجة لضغط ضابط شرطة أبيض بركبته علي عنقه أشعلت الغضب .. أمريكا تتحدث عن الديموقراطية وحقوق الإنسان كصناعة للتصدير للعالم الثالث .. لكن التفرقة العنصرية فيها بحر لا ساحل له ..
عام 1991 ضربوا الشاب الأسود رودني كنج ضربا مبرحا لتجاوزه السرعة المحددة .. في 2010 قتلت الشرطة أوسكار جرانت وحكم علي الضابط القاتل بعامين فقط! .. وفي الحالتين اندلعت أعمال عنف خطيرة وإن كانت أقل مما يجري الآن .. .. لكن لماذا اختلفت ردة الفعل هذه المرة!
الحقيقة أن ترامب رغم تحسن الاقتصاد في عهده إلا إنه أهمل المشكلات الاجتماعية ولأول مرة منذ فترة الكساد الكبري عام 1929 يبلغ عدد العاطلين 40 مليون أمريكي وتوفي 100 ألف ويزدادون .. خطأ ترامب ليس فقط زيادة النزعة العنصرية لديه -عادة كل الرؤساء الجمهوريين عنصريين – ولكن في سياساته المتضاربة فقد أعلن الحرب علي الصين ونادي بحكم ذاتي لهونج كونج ودعا لنصرة المسلمين في سينكيانج الصينية ، في الوقت الذي يقتلهم في كل مكان بالعالم او يشجع علي قتلهم ..
أذكر مانشيتا كتبته في الجمهورية عام 2005 جاء فيه “بوش يهنئ المسلمين برمضان وقواته تقتلهم في العراق” .. ترامب قلد رؤساء العالم الثالث ودخل سباق تسلح مع روسيا في توقيت خاطئ وهو نفس السبب الذي أنهي الاتحاد السوفيتي من قبل..
صحيح أمريكا قوة عظمي .. ومازالت تتحكم في الاقتصاد لحد كبير لامتلاكها المؤسسات المالية الكبري بدليل أن الدولار يرتفع في معظم الدول رغم الشغب والعنف المتزايد .. لكن لو قارنا الحالة الاجتماعية بين بكين وواشنطن .. سنجد أن الأولي نجحت في إخراج 300 مليون صيني من خط الفقر (أي حوالي عدد سكان أمريكا) أما الثانية فقد ازدادت الفجوة اتساعا بين الأغنياء والفقراء .. الفوضي والعنف الدائر حاليا وإن كان ظاهريا بسبب التفرقة العنصرية إلا أن له بعدا اجتماعيا لا يمكن تجاهله وغياب العدل في دولة ديموقراطية لا يمكن تجاوزه كما في الديكتاتوريات ..
لم أنخدع يوما بان أمريكا أرض الأحلام بل أراها كابوسًا .. فالمظاهرات تحولت بفعل العنصرية والتفاوت الطبقي إلي تدمير .. لقد قال زميلي جيف رينولدز الذي أسلم قبل سنوات إن “بلادي تخفي قاذوراتها تحت سجادة أنيقة” .. لم تكن أمريكا أبدا حامية الديموقراطية وإنما هي راعية القتل وصاحبة توكيل سفك الدماء ودعم الإرهاب الجبان..
من ثم فإن العنصرية في أمريكا قديمة منذ إنشائها .. ولا تنسي أن لنكولن عندما حرر العبيد مات مقتولاً..
لكن السؤال الهام الذي لم يطرحه أحد حتي الآن لماذا تحولت أمريكا في 48 ساعة إلي دولة من العالم الثالث يسرق المواطنون فيها المحلات والمولات في تسلسل يذكرنا بما جري في يناير 2011 والربيع العربي خصوصا إذا وضعنا في الاعتبار أن بها حاليا أعلي نسبة من وفيات الكورونا والمصابين بها كما ينتاب القلق الجميع لتداعيات الوباء علي الاقتصاد .. أيضا لا يمكنك إغفال أن ترامب نجح في اكتساب عداء شديد من الديموقراطيين في الكونجرس وهناك مزاعم أنهم حولوا التظاهر إلي مطالب سياسية .. لكن الجميع ينسون أنها دولة مؤسسات وقانون وقد خاض ترامب تحقيقات مطولة منذ ديسمبر 2019 فشلت قي عزله وواجهها قبله كلينتون في علاقته بمونيكا ونيكسون بفضيحة ووترجيت …. أي رئيس أمريكي ليس له حصانة ..
من ثم فإن التنبؤ بانهيار أمريكا فورا ليس دقيقا ربما تحدث هزات أو مطبات لكن علينا ألا ننسي أن العالم كله مرتبط بسلسلة أبدية أو تروس في ماكينة تحركها مؤسسات مالية مثل روكفلر وروتشيلد وغيرهما وجميعها تدين بالولاء للصهيومسيحية التي تعادل الخلافة الإسلامية عند المتشددين من الإخوان أو الدواعش أو القاعدة أو غيرهم..
وبالتالي فإن ترامب عندما رفع الإنجيل “مع كل الاحترام للكتاب المقدس ، لا يختلف كثيرا عن مرسي وهو يرفع المصحف أو أردوغان وهو يرفع القرآن .. إنه التطرف الديني الذي مازال إلي الآن يجد صداه لدي فئات كثيرة من شعوب الأرض بغض النظر عن الوعي أو الثقافة أو غيرها..
ترامب كان واضحا من البداية في حملته الانتخابية 2016 عندما خطب في كليفلاند في الجماهير واعدا إياهم بإنهاء الجريمة والعنف اللذين يعاني منهما الأمريكيون ، ويكاد يكون نفس الخطاب الذي ألقاه نيكسون عام 1968 في حملته الانتخابية .. منهج شعبوي تحريضي طائفي يكرس العنصرية والغريزة الثقافية الدينية للجنس الأنجلو ساكسوني الذي جاء إلي الأرض الجديدة ومعهم العبيد الأفارقة الذين رغم تحررهم منذ مئات السنين مازالوا في مرتبة أدني طبقيا واقتصاديا .. الصهيومسيحية التي يدين بها معظم المرشحين الجمهوريين تستند إلي مساندة لوبي يهودي قوي يؤمن بالارماجيدون أو الفتح الآلهي النهائي..
وأخيرا لااستبعد أن يستفيد ترامب مما حدث ويقلب “النرابيزة” بمساندة المؤسسات المالية الماسونية ويعلن عن حملة لتعويض المضارين من كورونا والمظاهرات ويخفض الضرائب ويزيد مخصصات التأمين الصحي..يخطط لقلب حالة التعاطف مع الضحية الاسود الي خوف وقلق من المستقبل لو جاء رئيس ضعيف ..للاسف استخدم نفس التكتيك مع هيلاري الاذكي من بايدن وفاز..باختصار الانتخابات الامريكية ستكون مختلفة هذا العام لكونها معركة بين الكنيسة والمؤسسات المالية والعنصريين البيض ضد حقوق الانسان والديموقراطية والعدالة الاجتماعية..وأخشي أن يفوز ترامب..