تتعرض ثقافتنا وخصوصيتنا إلى خطر كبير من جراء ظاهرة العولمة إذ تمثل العولمة الثقافية أخطر التحديات المعاصرة للهوية العربية وهذه الخطورة لا تأتي على الهيمنة الثقافية التي تنطوي عليها العولمة فحسب وإنما على الآليات والأدوات التي تستخدمها لفرضها وأهم التحديات نجد:
– الهيمنة الإعلامية، فقد أصبحت وسائل الإعلام وسيلة للسيطرة الثقافية الغربية كم تعد وسيلة للاحتراف الثقافي وتهديم الخصوصيات الثقافية، فالهيمنة الإعلامية اليوم ليست مشكلة إعلامية فحسب بل مشكلة ثقافية حضارية تؤدي إلى التشكيك في الثقافة العربية والهوية القومية.
– إثارة الشبهات حول الهوية العربية الإسلامية من خلال التشكيك في الثقافة العربية ومحاولة طمس حقيقة وهوية مجتمعاتنا من خلال جرد الموطن العربي بواقعه الثقافي.
– الترويج لقوى عولمة الثقافة والتركيز على نشر الثقافة الغربية وجعلها النمط الثقافي السائد بنشر مبادئه وقيمه من أجل النيل من خصوصية ثقافتنا العربية الإسلامية وتدمير هويتها.
– الترويج للقيم والثقافات والسلوكيات التي ذوبت خصوصيتنا الثقافية وهويتنا فكيف يمكن أن نصنع الجيل والنشء القادم وتأكيد هويته في عالم اليوم.
– تذويب الثقافة العربية الإسلامية من خلال نقل الثقافة الغربية وخاصة الأمريكية من خلال الصراع بين الاستيعاب والإذابة من جانب الثقافة العالمية والخصوصية والاستقلال من جانب الثقافة العربية.
– فرض التبعية على الثقافة العربية الإسلامية من خلال عملية التذويب الثقافي وفرض التبعية على الثقافات الأخرى في إطار المكون الثقافي المعولم المتمثل في الثقافة الغربية، وإزاء إشكالية العلاقة بين النموذج الثقافي المعولم والخصوصية الثقافية للأمة العربية الإسلامية نجد أن الغرب اتبع عدة أساليب لإلحاق ثقافة العربي إلى ثقافته التي لا تتلاءم والبيئة التي نشأتها، ونجد أن ماصبه الاستعمار من بطش وتنكيل وتدمير واحتلال كل هذا الأعمال لا تساوي أمام ما وضعيته في الأنظمة التربوية الحديثة الغربية محاولة منها أن تنشئ أجيالا تتنكر لشخصيها وهويتها العربية باعتبارها لا تجاري تطورات الحياة وهذا تذويب للهوية الثقافة العربية. (1)
استراتيجية الحفاظ على الهوية الثقافية في ظل العولمة:
في الحديث عن إستراتيجية الحفاظ على الهوية الثقافية في ظل العولمة يمكن أن نقول كيفية التعامل مع العولمة الثقافية وتنبع ضرورات التعامل والمواجهة العربية لظاهرة العولمة بالأساس من الحاجة إلى حماية الهوية العربية الإسلامية وصيانة خصوصيتها الذاتية ويتم ذلك من خلال التوجه إلى التطور الحضاري الإنساني ودعم التفاعل الحضاري الثقافي بين الأمم والشعوب ولا بد لهذه الاستراتيجيات أن تكون ممكنة يمكن تطبيقها في ضوء الفرص المتاحة وان تتسم بالنظرة الشاملة وذلك بتحليل مختلف المتغيرات ومدى تأثيرها بعضا ببعض ويتم الحفاظ على الهوية من خلال مستويين يتمثلان في:
على المستوى الدولي:
لعل أهم نقطة للبدء في المحافظة على الهوية الثقافية أمام الآخر يمكن إطار التعامل مع قوى العولمة الثقافية وبناء النموذج الثقافي الوطني في المجتمعات العربية من خلال إجراء حوار عام يسفر عن إجماع وطني حول المشروع الثقافي الوطني والدعوة إلى الاندماج في الهوية الوطنية العربية مع الحفاظ على خصوصياتها وهي النقط المحورية التي تسعى من خلالها إلى قوى العولمة إلى تحطيم وحدة البلدان العربية.
إلى جانب ذلك لا بد من إجراء حوار في إطار مفهوم “التقريب” في الوقت الذي يصعب الحديث عن تعامل فعال مع العولمة الثقافية لأنه لا زالت هناك الكثير من التضاربات الثقافية في الوطن العربي إضافة إلى هذا لا بد من التوصل إلى إستراتيجية ثقافية مشتركة بين البلدان العربية والغربية ويمكن ذلك من خلال حوار الحضارات العالمية، فالعوامة تدفع في اتجاه فرض القيم الغربية ومواجهة القيم غير الغربية.
على المستوى المحلي:
إذا تحدثنا عن الإستراتيجية على المستوى المحلي فتعتبر الإستراتيجية النواة لفرض وجودنا الثقافي في المتعترك الحياتي واثبات خصوصيتنا الثقافية والهوية الوطنية القومية داخل مجتمعاتنا ورفع هذه الهوية أمام الآخر وتكمن محاور ونقاط هذه الإستراتيجية في:
– محاولة المزاوجة بين المجتمع الحديث والحياة الشعبية التي خلفها الأجداد ويقصد هنا بالمزاوجة هو عدم الانفصام بين النواحي الحياتية والتجارب الموروثة التي لا بد أن تحضر وتحلل وتقدم في ثوب جديد مع الحفاظ على الإبداعية فلكل ثقافة محلية خصوصية، ولكن تجتمع كلها في صفات مشتركة تكون السمة الغالبة للهوية الثقافية.
– تحديث ثقافتنا وتطويرها من خلال تبيان وضعية المتحول من الثابت فيها وذلك بإثبات هويتنا في وجه تيارات العولمة الثقافية حتى نتمكن من المحافظة على قوميتنا العربية.
– إيجاد رؤية تصور العالم على أنه مجموعة واحدة نتبادل المنافع دون إسقاط الخصوصية التي تميز كل جماعة في موروثها الثقافي.
– رفض العزلة والهيمنة في الوقت نفسه ومحاولة وضع وجودنا الثقافي في المعترك الحياتي من خلال تطويع الثقافة الجديدة مع ثقافتنا حتى تصبح مزيجا من الأصالة والمعاصرة وهنا يمكن المحافظة على هويتنا ومواكبة الآخر.
إذن فتبني العولمة يؤدي إلى تحطيم القيم والهويات التقليدية للثقافات الوطنية والترويج للقيم الاستهلاكية ويمكن تلخيص ما سبق من آثار الثقافة المعولمة على هويتنا الثقافية العربية فيما يلي:
1- التبادل اللامتكافئ بين العناصر الثقافية إذ يكون التبادل أحادي الاتجاه مما يخلق مشكل الخصوصية في ظل شمولية الاتصال.
2- الغزو الثقافي والذي يظهر استمرار آليات التي تحقق السيطرة وامتداد فعاليتها في شكل قوة تغلغل في مجتمعاتنا التي تقف موقف الجمود أمام التغيرات التي تحدث داخلها، الأمر الذي ينمي الإحساس بالتهميش والاستلاب من الثقافة الأصلية وتنامي الإحساس بفقدان هويتنا الوطنية القومية.
3- التبعية الثقافية من خلال اعتماد ثقافاتنا على ثقافات الأخرى في إنتاج وتطوير ثقافاتها وتتمثل هذه التبعية في عدة مظاهر منها إحلال قيم وعادات وأنماط سلوكية محل القيم السائدة في هذه المجتمعات حيث تظهر التبعية في المجتمع التابع كمجتمع مهشم ومتناقض يسوده التفكك وعدم الأصالة.
4- الإمبريالية الثقافية والتي تشير إلى الثقافة المسيطرة من خلال ما تمارسه الثقافة المتقدمة من هيمن على الثقافات المتخلفة والتابعة فتحتل هذه الهيمنة كانت إعلامية أم تكنولوجية مواقع أساسية في ثقافتنا من خلال فرض قيمها وأنماطها السلوكية.
5- التسمم الثقافي ويتم من خلال نفي الدور العربي ومحو الشخصية الثقافية للأمة العربية عن طريق التشكيك بقيمة الثقافة العربية وإبراز وجهها السلبي وإحياء الثقافات الغربية لكسر وجودنا الثقافي وإبراز أزمة الهوية الثقافية.
– من خلال لكل هذه الآثار التي تفرزها العولمة الثقافية على ثقافتنا وخصوصيتنا يتنامى الإحساس يوما بعد يوم بفقدان الهوية في مجتمعاتنا فالفرد المعاصر أصبح يخسر قنوات الاتصال بجذوره وعاداته وهويته في عالم أصبحت وسائل الإعلام إن لم نقل الهيمنة الإعلامية تنقل إلينا يوميا عادات دخيلة على مجتمعاتنا تهدد بتهميش ثقافاتنا المحلية ومحو وجودنا الثقافي في المعترك الحياتي.
إن الانتماء هو قِيم ومبادئ، وإحساس ونصيحة، وأمر بالمعروف ونهي عن المنكر، وعزة وموالاة، وتضحية وإيثار، والتزام أخلاقي للفرد والأمة.
الانتماء للوطن هو مؤشر لقوة الشعوب وتماسُكها، والقاعدة التي يرتكز عليها بناء وتنمية المجتمعات، وهناك عوامل تؤثر على الانتماء، عدة عوامل تؤثر أو تتأثر بالانتماء للوطن، ومن أهم عوامل تعزيز الانتماء هي التربية بمفهومها الواسع؛ حيث هي مصدر أساسي في النمو الفكري والشخصي، والاجتماعي والسياسي، والروحي والبدني، والتربية المقصودة – (المدرسة) – هي الممثل الرئيسي للقيام بمثل هذه المهمة من خلال المعلم والمنهج المدرسي، وبيئة المدرسة والنشاطات الصيفية التي تقوم بأدوار مهمة جدًّا في تعزيز الولاء والمواطنة الحقة، والتي تشرك من خلالها الطلاب في النشاطات والأعمال المختلفة.
دكتور القانون العام ومحكم دولي معتمد
عضو المجلس الأعلى لحقوق الانسان