منذ ساعات بدأنا عام جديد عام 2021 ، بعد عام عصيب مضى 2020 ذلك العام الذي عصف فيه فيروس كورونا ولايزال يعصف بأهل وأصدقاء وزملاء ، وبعد عام عصف فيه الفيروس باقتصاديات الدول صغيرها وكبيرها ، وبعد عام عجز فيه كل علماء الكرة الأرضية عن مواجهة فيروس كورونا غير المرئي . وبمجرد أن ظهرت لقاحات لمواجهته أو للحد من غلوائه ، إذا بالأنباء تفيد بتحور الفيروس في شكل سلالات جديدة أكثرخطورة .
ورغم مرارات العام الماضي التي لا تزال عالقة بالحلوق ، ورغم الأجزان التي لا تزال جاثمة على القلوب لفراق بعض الأحبة أو لمرضهم ، إلا أنني أرى أن نحمد الله سبحانه وتعالى أولا أن أمد في اعمارنا حتى عامنا هذا ونعاهده على استثمار الأيام التي أمد فيها أعمارنا على أن نعمل صالحا ونصحح ما وقعنا فيه من أخطاء. ثم نستعين بالله جل جلاله الحي القيم الخالق البارئ على القضاء على هذا الفيروس مع العمل بجدية واخلاص والأخذ بكل الأسباب البشرية لتطوير علاجات لمرضى الكورونا وانتاج لقاحات ذات مفعول سريع للحد من انتشاره، وأن نتعاون معا بروح المسئولية على تجاوز الأزمة .
وأرى أن الذي سوف يساعدنا على تحقيق تلك المهام هو التفاؤل . وأعتقد جازما أن التفاؤل في ظل الظروف الصعبة التي تمر بها مصرنا العزيزة وكل العالم فريضة لا بد منها حتي لا ندخل في دائرة اليأس المظلمة والمهلكة في الوقت نفسه . ويرى كثير من العلماء أن بث الأمل في نفوس الناس، ضرورة شرعية وفرض إلهي يتضح ذلك من الآية 47 في سورة الأحزاب : ( وَبَشِّرِ ٱلْمُؤْمِنِينَ بِأَنَّ لَهُم مِّنَ ٱللَّهِ فَضْلًا كَبِيرًا). ويستدلون أيضا بالحديث الشريف والذي رواه أنس عن النبي محمد صلى الله عليه وسلم قال :” يسِّروا ولا تعسِّروا، وبشِّروا ولا تنفِّروا”.
وحتى لا يكون التفاؤل مجرد كلمة تقال أو أنشودة نتغني بها علينا أن نعتمد على التفكير الاستراتيجي في مواجة مشاكلنا والبحث لها عن حلول . لأن من أهم صفات التفكير الإستراتيجي من وجهة نظري أنه تفكير تفاؤلي وإنساني يؤمن بقدرات الإنسان وطاقاته العقلية علي اختراق عالم المجهول والتنبؤ باحتمالات ما سيقع، ويحث علي وجوب توظيف المعرفة المتاحة وتوفير الأجواء المشجعة علي المشاركة في حل مشاكل الحاضر وصناعة المستقبل.
ومن خلال التفكير الاستراتيجي يمكننا الاستفادة من ثمرة عقول العلماء والمفكرين والمبدعين في تقوية الأمة ونهضتها والتغلب علي أزماتها. فالتفكير الاستراتيجي من أهم مقومات الأمن القومي ويكفي لتأكيد ذلك أن انتصار العاشر من رمضان السادس من اكتوبر عام 1973 ساهم في صنعه أصحاب أفكار استراتيجية من أمثال الضابط المهندس الشاب باقي زكي يوسف ياقوت صاحب فكرة استخدام المياه لإحداث ثغرات في الساتر الترابي لخط بارليف التي يعتبرها الخبراء مفتاح النصر.
ومصر لديها الكثيرون من المفكرين الاستراتيجيين وأصحاب العقول الخلاقة. وأعلن الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء أن عدد العقول المصرية المهاجرة إلي الخارج بلغ 824 ألفًا. من بينهم 11 ألفا في تخصصات نادرة و94 عالما في الهندسة النووية و36 في الطبيعة الذرية و98 في الأحياء الدقيقة و193 في الالكترونيات والحاسبات والاتصالات. وهجرتهم تتسبب في خسارة مصر لأكثر من 54 مليار دولار سنويا.
وحل أزمة التفكير في مصر علي المدي القصير يبدأ بتوافر الجدية والارادة لدي الحكومة لتوفير الاجواء الآمنة كي يظهر أصحاب الأفكار المبدعة وتنطلق لديهم ملكة الفكر. وإتاحة مساحة واسعة لهم في وسائل الاعلام لعرض نتاج أفكارهم. والمسارعة بهدم الكهوف داخل الوزارات والمؤسسات التي يسجن بها أصحاب الآراء والمواقف المعارضة. والاسراع بالاستعانة بعلماء مصر في الخارج كل في تخصصه لوضع حلول للأزمات والأهم تنفيذ مقترحاتهم. خاصة أن غالبيتهم أعلنوا مرارا استعدادهم لمساعدة وطنهم.
أما بناء أجيال من المفكرين الاستراتيجيين علي المدي الطويل فيبدأ باستماع الوالدين لأطفالهم وعدم الضجر من أسئلتهم. والاجابة بود عن كل استفساراتهم حتي ولو كانت تبدو تافهة. حتي اذا بدأ الابناء مرحلة الدراسة ينبغي توفير المعلم المؤهل ومنحه المرتب الذي يكفي كل احتياجاته حتي يتفرغ لليوم الدراسي الكامل. وإيجاد بيئة مدرسية جاذبة للتلاميذ. وتطوير مناهج تطلق الروح الابداعية وتعزز التفكير النقدي مع الاهتمام المنظم بالموهوبين. وفي مرحلة الجامعة والدراسات العليا يكون الفرز الحقيقي للعقول المبدعة والعمل علي توظيفهم في قطاعات الدولة للاستفادة بنتاج أفكارهم.