“الوطن”: مصر قلب العالم العربي تضخ الدماء في شراييننا .. وأمن مصر خط أحمر لا يمكن المساومة فيه
الاخبارية وكالات
تتمتع العلاقات العُمانية – المصرية بالخصوصية، وذلك ينبع من العلاقات التاريخية العميقة والاستراتيجية الراسخة بين البلدين الشقيقين، وطالما دعمت السلطنة مصر في العديد من المواقف كان آخرها إعلان مسقط منذ أيام تضامنها مع مصر وتأييدها في جهودها لحل الخلاف حول سد النهضة الإثيوبي عبر الحوار والتفاوض وبما يحقق الاستقرار للمنطقة ويحفظ مصالح جميع الأطراف، وذلك في بيان لوزارة الخارجية العُمانية صدر بعد ساعات قليلة من تصريحات الرئيس عبد الفتاح السيسي في المؤتمر الصحفي العالمي بهيئة قناة السويس مؤخراً، والتي أكد خلالها أن المساس بحق مصر في مياه النيل “خط أحمر” وسيكون له تأثير على استقرار المنطقة بكاملها.
ودائماً ما يقف الشعب العُماني جنباً إلى جنب مع الشعب المصري الشقيق في جميع الأوقات والظروف، وخير مثال على ذلك، مقال صحفي نشرته اليوم صحيفة الوطن العُمانية – أول وأقدم صحيفة في سلطنة عُمان – للكاتب العُماني خميس بن عبيد القطيطي بعنوان: “مصر تتجلى في الحواسم التاريخية”، ويُعد المقال مثالاً واضحاً على وقوف المواطنين العُمانيين مع مصر العظيمة والمصريين الأشقاء في حقوقهم المائية المشروعة.
وقال كاتب المقال، إن مصر تعرضت خلال العقود الماضية لتجارب واختبارات كبرى حققت فيها نجاحات لافتة غيَّرت مجرى الأحداث التي جاءت بعدها .. وأهم هذه التجارب كانت حرب أكتوبر ١٩٧٣م المجيدة وثورة ٢٥ يناير ٢٠١١م، وتأتي الثالثة لتماثل في أهميتها تلك التجارب التاريخية .. ونقصد هنا أزمة مياه النيل الراهنة أو قضية سد النهضة الإثيوبي، وعندما نستدعي تلك التجارب التاريخية المختلفة وما تحقق فيها، ونسقطها على أرض الواقع ونضعها في دائرة التحليل، يتأكد لدينا أن مصر تتجلى في الحواسم التاريخية الكبرى، فهي مصر التي لا يمكن تجاوز حقوقها ولا يمكن إهانتها، ولا يمكن التحكم بمصيرها وحياة أبنائها.
وأضاف المقال العُماني أن ما جرى من متغيِّرات في الشأن المصري خلال العقود الخمسة الماضية، سواء المتعلقة بطبيعة الأنظمة الحاكمة أو ظروف الحياة العامة أو المتغيِّرات الديموغرافية والسيكولوجية أو الاستنزاف الذي تعرض له الفكر القومي العربي، والاستهداف الخارجي، وغيرها من الإشكالات التي يبرزها النقاد في الشأن المصري لم يكن ليغيِّر من متانة موقفها الوطني في مثل هذه الحالات التي تتَّحد فيها جميع شرائح الوطن حول قضاياها المصيرية، فتستنهض عنفوانها التاريخي وريادتها الإقليمية وأسرارها المصرية لتحقق معادلة النجاح في كل زمان.
وتابع: كان وما زال يراد لمصر أن تكون الجائزة الكبرى في إطار صراع الحضارات ولعبة الأمم، لكنها لم ولن تكون كذلك؛ لأنها أحد أهم صنَّاع الأحداث في التاريخ، وهذا التوصيف ليس من قبيل التمجيد، بل هو الواقع الذي أثبتته وقائع التاريخ.
كما تابع المقال: في عام ١٩٧٣م كانت ملحمة العبور وكسرت مصر أسطورة الجيش الذي لا يقهر، وفي عام ٢٠١١م كانت ثورة ٢٥ يناير، وفي كلا الحدثين كانت مصر على الموعد .. واليوم تتعرض مصر إلى حدث مشابه من حيث أهميته وتأثيراته وأبعاده الخارجية، وهو قضية مياه النيل أو قضية سد النهضة التي تمثل اختباراً تاريخياً آخر لا يقل خطورة عن سابقيه، بل هو قضية حياة أو موت بالنسبة لمصر، حيث إن فرض الإرادة والتحكم بمياه النيل وفق الرؤية الإثيوبية حول ملء السَّد وتشغيله تمثل خطراً محدقاً بمصر، وتعصف بالأمن والاستقرار في القرن الإفريقي عموماً، فالنيل ارتبط بمصر وحقوقها التاريخية، وهناك اتفاقيات دولية سابقة حددت حصص مصر والسودان، ومنحت مصر حق الاعتراض على إقامة أية منشآت على منابع النيل، فكيف يمكن تقليص هذه الحقوق وقد تضاعف حجم الدولة في مصر؟!.
وأضاف: اليوم هناك قرار “أحادي” في إثيوبيا بالمضي قدماً في تنفيذ الملء الثاني لسد النهضة مع موسم الأمطار المقبل في يوليو ٢٠٢١م، وهذا بحوالي 13.5 مليار متر مكعب، بحيث تصبح المياه المملوءة في السد تزيد عن الـ ١٨ مليار متر مكعب، وبانتهاء الملء الثاني فإن مصر بالذات ستتعرض إلى شح كبير في المياه سيطول تأثيراته السَّد العالي وبحيرة ناصر، وسيعرض مصر إلى مخاطر تقليص المساحة الزراعية وتأثير ذلك على حياة مواطنيها بشكل عام، الأمر الآخر أنه في حال حدوث الملء الثاني فلا يمكن لمصر من الإقدام على أية مخاطرة بعمل عسكري يستهدف السَّد نظرا لخطورته على السودان، وتكون إثيوبيا قد تحكمت بالإجراءات اللاحقة في عملية ملء السَّد وتشغيله، وهي موضع الخلاف الرئيسي بين الدول الثلاث.
كما قال المقال: يبدو أن إثيوبيا ماضية في إجراءاتها الأحادية باستهلاك الوقت وتعنت موقفها، رافضة التوصل إلى اتفاق يحدِّد آلية الملء والتشغيل دون مراعاة لخطورة ذلك على دولتي المصب مصر والسودان، حيث ترغب إثيوبيا في استكمال ملء السَّد حسب رؤيتها بين ثلاث إلى خمس سنوات، وهو ما يمثل خطراً حقيقياً على حياة ١٥٠ مليون مواطن في مصر والسودان، كما أن هناك مخاوف أخرى تتعلق بالجوانب الأمنية (الإنشائية) للسَّد وآلية التشغيل، وأهمية وجود إدارة مشتركة ومراقبين من دول حوض النيل أو مراقبين دوليين، مع الالتزام بعدم إقامة سدود أخرى قد تفاقم من خطورة الموقف مستقبلاً.
وأضاف: الموقف الإثيوبي يتحدث عن ممارسة السيادة؛ باعتبار المياه عابرة لأراضيه، وأعلنت أديس أبابا أنها لا تنتظر موافقة مصر والسودان في تنفيذ ملء السَّد، كما أعلنت في رسالة واضحة أن لها الحرية التامة في العمل مستقبلاً وفقاً لما يتوافق مع مصالحها دون مراعاة لبقية الشركاء وحقوقهم التاريخية، كما تتحدث إثيوبيا عن حاجتها لتوفير الطاقة الكهربائية وإمداد الملايين من أبناء شعبها بالكهرباء في استعجال لا نعلم أسبابه بهذا الشكل؟! وبالتالي فلا يستبعد مستقبلا إقامة سدود أخرى تحجز مياه نهر النيل، وتقلص حصص مصر والسودان بشكل أكبر حسب هذه الرؤية؟!.
بالمقابل فإن مصر لم تمانع من إقامة هذا السَّد الذي يستوعب ٧٤ مليار متر مكعب؛ أي ما يعادل حصص مصر والسودان معا خلال عام كامل، وبالتالي فإن ملء السَّد وفقا لرغبة إثيوبيا سيقلص حصص مصر والسودان، ويمكن تعرضهما لمخاطر أكبر خلال سنوات الجفاف والجفاف الممتد، والتأثير بشدة على السَّد العالي بمصر وسدود السودان، مما قد يوقف بعض المحطات فيها عن العمل، بالإضافة إلى المخاوف المتعلقة بالجوانب الأمنية للسَّد، سواء لأسباب طبيعية تكتونية أو أسباب صناعية إنشائية في المستقبل المنظور.
وأوضح كاتب المقال أنه أمام هذه الظروف المتصاعدة على إثيوبيا تقدير تلك المخاوف والمخاطر، وتحكم لغة الحوار والجوار والعلاقات التاريخية والرابطة الإفريقية لإنهاء هذه الأزمة وكبح جماح المتربصين، لأسباب عدة أولها أن إقامة هذا المشروع لا بدَّ له من توافق دولي وعدم الإضرار بحياة الملايين لهم الحق في هذه المياه أيضاً، كما أن مصر لم تمانع إقامة السَّد وانحصرت مطالبها في تمديد سنوات الملء بحيث لا تؤثر بشكل حاد على نصيبهما من المياه في ظل ما يتعرض له النيل من دورة جفاف، وفي ظل اعتماد شعبها المتنامي على هذا المورد المائي الذي يمثل شريان الحياة، فلماذا كل هذا التعنت من قبل إثيوبيا أمام مطالب مصر والسودان؟!!
وقال: ما زلنا نأمل في قبول إثيوبيا بالحلول السلمية التي تجنِّب القارة الإفريقية والعالم تداعيات أي خيار آخر، والحلول السلمية هنا تتطلب فقط نيات حسنة ورغبة في طيّ صفحة هذه الأزمة بتمديد فترة الملء إلى سنوات أطول حسب اتفاق تلك الأطراف، وهو خيار تكلفته لا تقارن بتكاليف أي خيار آخر، وعلى المجتمع الدولي أن يضطلع بدوره في الحفاظ على الأمن والاستقرار العالمي .. وكانت إثيوبيا قد رفضت مقترحا سودانيا يطلب وساطة اللجنة الرباعية الدولية، ما يوحي بإصرار إثيوبي على تنفيذ رؤيتها الأحادية، ولذلك بدأت مصر تحركاتها بتحميل المجتمع الدولي مسؤولياته وتوضيح موقفها للرأي العام الدولي والمؤسسات الدولية، وقام وزير الخارجية المصري سامح شكري بتوجيه رسائل ثلاث إلى الأمين العام للأمم المتحدة ورئيس مجلس الأمن ورئيس الجمعية العام للأمم المتحدة، شرح كل التطورات المتعلقة بأزمة سد النهضة، في تأكيد واضح على أن مصر إذا استنفدت خياراتها الدبلوماسية فإن لها الحق بالدفاع عن مصالحها، وقد حدث بالستينيات من القرن الماضي أن استخدمت “إسرائيل” حق الدفاع عن مصالحها عندما قرر العرب تحويل نهر الأردن عن “إسرائيل” فأقدمت على قصف منشآت تحويل نهر الأردن قبل اكتمال تحويله، في حادثة برَّرتها بحقها في الدفاع عن نفسها، وفي نفس السياق قد تلجأ مصر إلى هذا الخيار إذا لم يتم التوصل إلى اتفاق ملزم قبل الملء الثاني .. ولا شك أن الأجهزة في جمهورية مصر العربية قد وضعت كل السيناريوهات على الطاولة ودرست كل الظروف والتبعات فيما لو وصلت الأمور إلى هذا الحدِّ، واليوم أصبحت مصر في حالة اصطفاف جماعي لاستعادة حقوقها المشروعة، وقد بات على الأمم المتحدة أن تتخذ إجراءات عاجلة لإنهاء هذا الملف قبل فوات الأوان.
وأضاف: سد النهضة بدأ العمل به في عام ٢٠١١م، واستمرت المفاوضات بشأن سد النهضة لسنوات وتم التوقيع على اتفاق إعلان المبادئ في عام ٢٠١٥م بالخرطوم، وجرت مفاوضات عديدة كادت أن تنتهي باتفاق واشنطن لولا مقاطعة الطرف الإثيوبي مشروع الاتفاق، ووقَّعت مصر بالأحرف الأولى، واحتفلت إثيوبيا في يوليو ٢٠٢٠م ببدء المرحلة الأخيرة لمشروع السَّد، وقامت بالملء الأول دون تنسيق مع بقية الأطراف، وحددت موعداً للملء الثاني في يوليو المقبل مع موسم الأمطار، لذا تراوحت الأزمة على طاولة المباحثات كان آخرها قبل بضعة أيام لم تسفر عن نتائج إيجابية، فأصبحت مصر والسودان أمام موقف خطير دفعت المسئولين في البلدين إلى الحديث عن خيارات مفتوحة لمعالجة هذه الأزمة .. وهنا يمكن للولايات المتحدة أن تضغط بدورها لوضع الاتفاق المبرم في واشنطن كحل مشترك تم التوصل إليه في وقت سابق، فلم يعد هناك مجال للتسويف، لذا فقد باتت الخيارات محصورة.
واختتم كاتب المقال بتأكيده: الأمن المائي في مصر يُعدُّ أمناً قومياً، ومصر هي قلب العالم العربي تضخ الدماء في شرايين الجسد العربي، ولا يمكن لهذا الجسد البقاء على قيد الحياة إذا أصيب القلب، لذلك يُعدُّ أمن مصر خطا أحمر لا يمكن المساومة فيه، وقضية سد النهضة تمس الأمن القومي العربي عموماً، لذا فقد أعلن عدد من الدول العربية تضامنها مع مصر في بيانات صدرت من تلك الدول في ٣١ مارس ٢٠٢١م فقد أعلنت سلطنة عُمان والسعودية والإمارات العربية المتحدة والأردن تضامنها مع مصر، ولا شك أن العرب جميعاً مع مصر في كل قضاياها المصيرية، لأنها تمثل العمق العربي وتمثل الأمن القومي العربي، وتُعدُّ زيارة الرئيس التونسي قيس سعيد إلى مصر إشارة بالغة الأهمية عن هذا التضامن العربي .. وختاما نأمل انتهاء أزمة سد النهضة بالطرق الدبلوماسية حفاظاً على الحقوق التاريخية لمصر والسودان، وحفاظاً للأمن والاستقرار في العالم.