القهار صيغة مبالغة من القاهر ، وهو القادر على منع غيره من فعل خلاف ما يريد، والقهّار مبالغة من القاهر تفيد التكرار والدوام، وهو الغالب على أمره لا راد لقضائه ولا مُعقِّب لحكمه، جميع الخلق مقهورون فى مشيئته ” وما تشاءون إلا أن يشاء اللهُ “.
هو قهّار لأهل السماء بالتسخير ولأهل الأرض بالتعبّّد، وقهر الله سبحانه عن حقٍ وعدل، فقهره يصاحب عدله، وعدله يصاحب رحمته، وانتقامه يصاحب حكمته.
الإنسان أمامه خياران: إما أن يفعل الإنسانُ ما يريد ربُه القهّارُ فيأتِى الإنسانُ ربَّه طوعاً، وإما أن يُفعل بالإنسان ما يريد ربُه القهّارُ به فيأتِى ربَّه كرهاً.
القهّارُ قهر الكفارَ بظهور آياته وقهر المعاندين بظهور بيّناته وقهر قلوب أحبابه على العكوف ببابه فأنِسوا بجنابه، وقهر الروح وهى نور فسخّرها للجسم وهو ظلام، وقهر العباد بالموت ” وهو القاهر فوق عباده وهو الحكيم الخبير ” وعلوّه ليس علوّ مكان وإنما هى فوقيّة الإستعلاء فسبحانه يقول للشئ كن فيكون.
الإنسان مقهور فى أمور لا إختيارية كنبضات القلب وتنفس الرئتين وحركة الأمعاء و… وهذا من رحمة الله بالإنسان لأنه -الإنسان- لن يستطيع تنظيم ذلك إرادياً، أمّا الأمور الإختيارية التى فُرض فيها الأمر والنهْىِ فأمور التكليف، من يطع اللهَ فيها يصبح كأنه مقهورٌ للحُكْم وهم عباد الرحمن الذين تنازلوا عن إختيارهم وقبلوا أن يكونوا مأمورين مطيعين لله وهم عباد الله حقاً، أمّا العبيد فيتمرّدون على التكليف ومع ذلك فاللهُ فتح لهم باب التوبة ” قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ ۚ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا ۚ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ “.
وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ وَيُرْسِلُ عَلَيْكُمْ حَفَظَةً حَتَّىٰ إِذَا جَاءَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا وَهُمْ لَا يُفَرِّطُونَ ” الحفظة هم الملائكة الذين يحفظون ويُحصون أعمال العباد ويسجلونها، فهم الكرام الكاتبين.
قهر اللهُ الملائكةَ المخلوقة من نور بالسجود لآدم المخلوق من طين بعد نفخ روح الله فيه، وقهر الإنسانَ بالجوع والأمراض حتى يذلَّ لرب العالمين، وحتى الملاحدة يلجؤون لله عند الكرب الشديد، فلولا تجليه بالقهر لما خضعت النفوس.
قهر اللهُ العناصرَ بعضها ببعض، فخلق الماء وسلّط عليه الريح تُصرِّفه، وخلق النار وسلّط عليها الماء لتطفئها، وخلق الحديد وسلّط عليه النار لتذيبه، وخلق الحجارة وسلّط عليها الحديد ليفتّتها، وخلق آدم وذريّته وسلّط عليهم إبليس وذرّيته، وخلق إبليس وذريته وسلّط عليهم الملائكة فإبليس يرتعد من مجرد سماع إسم سيدنا ميكائيل، وخلق الليل والنهار وقهر كلاً منهما بالآخر، فهو القهّار الذى قهر الكون كله بما فيه من كواكب ونجوم ومجرات وجعل كلاً منهم يتحرِّك فى مساره يدور حول نفسه لا قدرة لأحد عليها إلا هو، وعجباً للأرض تدور حول نفسها وحول الشمس ولا نعلم مصدر الطاقة المسئولة عن ذلك ولا نجد لذلك عادماً!
العبد المتخلّق بهذا الإسم يرى أعدَى أعدائه نفسه التى بين جنبيه فيقهرها ويضيّق خناقها ويخالفها حتى تطيع الأوامر الإلهيّة، ثم يقهر خصمه العنيد إبليس فيحترس من وساوسه ويضيّق مجاريه بالصوم، ثم يقهر شهواته البهيمية وهواه، ثم يهجر أصحاب السوء وأهل الفسق، ويقهر كل الهواجس والخواطر ببركة هذا الإسم ” وأمّا من خاف مقام ربه ونهى النفس عن الهوى فإن الجنة هى المأوى “، ” ولمن خاف مقام ربه جنّتان ” جنة المعارف فى الدنيا وجنة الزخارف فى الآخرة، فوعيك بالحضور الإلهِى يجعلك فى معيّته سبحانه وكأنك فى الجنة ” وهو معكم أينما كنتم “، واحترس من خاطر المعصية بمجرد وروده إذ أنه يُنفِّر الملائكة الكرام منك حتى ترجع عنه.
على المؤمن أن لا يقهر الضعفاء واليتامى بل يكون رؤوفاً بهم وكريماً معهم، يُروى أن أحد ملوك بنِى إسرائيل تجبّر واستكبر وقد مكّنّه الله فى الأرض وحفظ عليه قوّته استدراجاً، وعند استعراضه لجنوده خطر بباله أن له العزّة والتصريف دون غيره، فأمر اللهُ ملكَ الموت أن يقبضه من ساعته، فجاءه عزرائيل فى صورة إنسان وأمسك بزمام فرسه، فقال له الملِك متعجِّباً من صنيعه أتعرفنِى؟ فقال له عزرائيل نعم أنت نطفة قذرة نهايتك للأرض وأنت المغرور الواقع فى الزور وأنا عزرائيل أُمرت بقبض روحك الآن، فقال الملك أمهلنِى حتى أُوصِى، فقال له لا إمهال لك عندِى فأنا خادم لربِّى وقد أمهلك طويلاً فلم تعتبر وأعطاك كثيراً فلم تشكر ورأيت منه ما رأيت فلم تنزجر، وقبض رُوحه وهو على ظهر فرسه فسقط وسط جنوده جُثّةً هامدةً بأنفاس خامدة فانزعج الحاضرون وتجلّى القهار الذى يقول للشيء كن فيكون.
إلهى قهرت العوالم كلّها أعلاها وأدناها وتجلّيت بالعظمة فعرفك كل حبيب مطيع أمِدّنا بدقيقةٍ من دقائق إسمك القهار حتى تنقاد له أنفسنا وينهزم أمامنا الفجّار وامنحنا صولةً نصول بها على إبليس رأس الشرور وننجوا بها من الشهوات الحيوانية والأهواء النفسانية واجعلنا ملاحظين لأنوار إسمك القهّار حتى لا نغترّ بأى عظيم فى الوجود فالكلّ عدم إذا انكشفت الأنوار والملائكة تحت القهر حيارَى والملوك عند الحساب سكارَى وما هم بسكارَى، إحفظنا وسلّّمنا واقهر كل من يعارضنا إنك على شيءٍ قدير وبالإجابة جدير، وصلّى اللهُ وسلَّم وبارَك على سيدنا محمد وآله وصحبه.
والله يقول الحق وهو يهدِى السبيل.