من يقرأ سيرة النبي صلوات الله عليه وكذلك سنته وكثيرا من الأحداث التي كانت سببا مباشرا في نزول آي الذكر الحكيم يدرك أن كثيرا من هذه الحوادث تمت لتكون لنا نبراسا في حياتنا نتعلم منه الادب السامي في التعامل مع أحداث حياتنا وفي صناعة السعادة الدنيوية والأخروية لنا وللآخرين .ففي الحديث النبوي أن أعرابيا جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يسأله أن يعطيه فأعطاه ثم سأله النبي صلوات الله عليه قائلا : أأحسنت إليك؟ فقال الأعرابي :لا ، ولا أجملت, فغضب الصحابة الحضور وهموا بالرجل الذي يسيىء إلى من هو أحب إليهم من أولادهم وأموالهم “لا يؤمن أحدكم حتى يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما ” وكذلك لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحبَّ إليه من ولده ووالده والناس أجمعين ” – فمنعهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ودعا الرجل إلى بيته وزاده عطاء ثم سأله :أأحسنت إليك ؟ فقال الرجل نعم : فجزاك الله من أهل وعشيرة خيرا ، فطلب منه رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يقول ما قال أمام صحابته لأنهم غاضبون منه ،فلما وصل رسول الله والأعرابي إلى مكان أصحابه قال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم إن صاحبكم زعم أنه قد رضي..كذلك يا أعرابي؟ فقال:نعم جزاك الله من أهل وعشيرة خيرا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إن مثلي ومثل هذا الأعرابي كمثل رجل كانت له ناقة فشردت عليه فأتبعها الناس – أي جروا وراءها ليمسكوها – فما زادوها إلا نفورا فقال لهم صاحب الناقة خلوا بيني وبين ناقتي فأنا أرفق بها وأعلم فتوجه إليها وأخذ من قتام الارض – اي بعض ما يقدم للناقة من طعام أو بعض ما يستدعي به صاحب الناقة ناقته إلية بسلوك تفهمه الناقة ويشعرها بعطف صاحبها – ودعاها حتى جاءت واستجابت وشد عليها رحلها وإني لو أطعتكم حيث قال ما قال لدخل النار “
والحديث يعلمنا أن إصلاح الآخرين وحمايتهم حتى من أنفسهم فن لا يتقنه الكثيرون وعليه فان المربي والمعلم يحتاج أن يتعامل مع كل فرد بما يصلحه وما يصلح فرد قد لا يصلح الآخر وأنه على قدر وعي الناس يكون التعامل معهم وقديما قالوا : “عاملو الناس على قدر عقولهم ” ولا يعني ذلك أهمالهم أو الإساءة إليهم وانما اصلاحهم بمنهج يفهمونه حتى يتدرجوا في سلم الخير حتى يكونوا هم الهداية أنفسهم .
فرسول الله صلى الله عليه وسلم يعرف طبيعة الأعرابي فعامله على قدر ما ينفعه ليأخذ بيده إلى الصواب والى النجاة وكذلك كان يعرف في أصحابه حبهم له فمنعهم من التعرض للأعرابي وعلمهم درسا عمليا بليغا في تغيير الآخرين وتحويلهم إلى الحب والتواد وكيف تستل أحقاد القلوب .
كما استخدم النبي مثلا واقعيا من البيئة للتدليل على قوة حجته وعلى أن الوصول إلى الأفضل وإلى القلوب فن أي أن السلوك الصائب كثير لكن الذي ينفع في حالة لا ينفع في أخري ،كما علمنا رسول الله إن الصبر في الدعوة إلى الله آليه لا يجوز إهمالها كما أن حب النجاح في المهمات يحتاج الى صبر وعطاء وتضحية والأهم من ذلك أنه لا يكلف بالمهمات إلا الأعلم والارفق “دعوها فإني أعلم بها وأرفق” . لذا كان الفرق كبيرا بين الناقة في شرودها ونفورها وبين إقبالها طائعة مستكينة لصاحبها وهو يشد عليها رحله فرق كبير جدا يشبه الفرق بين ملاحقة الناس لها لا هم لهم إلا امساكها وبين استدعاء صاحبها لها بما بينهما من ألفه .