الهجر الجميل سلوك إنساني وصف بالجمال كالصبر الجميل. والهجر والصبر كلاهما أمر يؤلم النفس كأثر من آثارهما ويأتيان بسبب غضب النفس لما وقع لها ممن استحقوا الهجر
وبالتالي فإن وصف الهجر بالجميل معناه أمر آخر يتطلب من الإنسان مجاهدة الألم والغضب فيتحلى بنوع من ضبط النفس فلا يتعامل مع شعورها كما تهوى وتريد. وكما قال العلماء أن الهجر الجميل هجر دون أذي أو عتاب لكن المتأمل في المصطلح الذي جاء في قوله تعالى :وَٱصْبِرْ عَلَىٰ مَا يَقُولُونَ وَٱهْجُرْهُمْ هَجْرًا جَمِيلًا ” يكتشف أنه هجر دون مقاطعة أى دون عداء بدليل أن سيدنا رسول الله صلوات الله وسلامه عليه لم يقاطع مشركي مكه وظل على صلة بهم يدعوهم إلى الصراط المستقيم، بل ظل قلبه شغوفا بهدايتهم وإنقاذهم من الظلمات إلى النور ؛ لكن الذي قاطع بل حاصر وهجر هجرا مشينا هم مشركو مكه بما قاموا به من حصار رسول الله ومن معه من المؤمنين في شعب أبي طالب ثلاث سنوات لاقى فيها المسلمون أشد العنت أي أنهم عاملوا المسلمين بأخلاق الكفر وعاملهم رسول الله ومن معه بأخلاق الايمان الذي بدا واضحا من دعائه صلوات الله وسلامه عليه لهم بقوله” اللهم اهد قومي فإنهم لايعلم ون “
إذن الهجر الجميل ليس مقاطعة مؤذية وإنما أشبه بوضع حدود للعلاقة الإنسانية فهل يصلح الهجر الجميل مع المسلم ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:” لا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث يلتقيان يعرض هذا ويعرض هذا وخيرهم الذي يبدأ بالسلام ” ؟ نعم يصلح لأنه ليس مقاطعة تستدعي أن يعرض هذا ويعرض هذا ، وإنما هو لون جميل وراقي في الأعتراض على سلوك الصديق أو الزميل أو الشريك بل هو لون جيد لإصلاح سلوك الصديق أو القريب لأن التعاملات تظل قائمة وإنما الذي يتغير هو وصول العلاقة إلى أدنى مستوياتها أي وضع حدود للعلاقة ليس هذا فقط ، وإنما يظل المسلم في عون أخيه وصديقه يؤدي واجباته نحوه ويقدم نصحه إذا طلب منه دون حالة الأقبال القديمة والحميمية التي كانت بينهما بل يهرع إليه إذا ما أصابه مكروه .
هنا يتنبه الصديق إلى ما اقترفه في حق أخيه بل يتنبه إلى رقي التعامل وجماله وسموه من صديق أغضبه وأساء إليه فما كان منه إلا أن وضع حدا للعلاقة دون مقاطعة أو أذى أو عتاب مؤلم ، ولم يكن رد فعله خصاما فاجرا كما أشار رسول الله صلي الله عليه وسلم في آيات المنافق “..وإذا خاصم فجر”
من هنا نستطيع أن نقول : إن الهجر الجميل أشبه بالدفع بالتي هي أحسن لأن كلاهما يصلح الطرف المقصود بالهجر والدفع بالتي هي أحسن يقول تعالى ” ولا تستوي الحسنة ولا السيئة ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم” فالهجر الجميل يعيد الإنسان إلى صوابه ويريه جمال اخلاق صديقه وسموه ورقيه فيدفعه ذلك إلى الحفاظ عليه وإصلاح ما اقترفه في حقه ولو لم يأته معلنا اعتذاره .
من هنا وصف الهجر بالجميل لانه يحافظ على صلات الارحام ومشاعر الآخرين ويحمي وجوههم من الخجل باللوم والعتاب الذي يعدد فيه المعاتب سيئات وهفوات صاحبه ويعلمهم فنا من فنون الحياة في التعامل الراقي
ترى ماذا يحدث لوجربنا هذا المنهج في حياتنا فحافظ كل منا في علاقته بالآخرين على شعر. معاوية فلا اقبال مسرف في العلاقات الإنسانية ولا إدبار يقطع الصلات ويؤجج العداءات يحتشد فيه كل طرف للانتقام من الآخر؟
لا شك أن حياتنا ستكون أفضل وكذلك منزلتنا عند خالقنا