الطبيعة هي الحل للعديد من قضايا التنمية المستدامة، ومن هنا تأتي الحاجة للعمل معها. الحلول القائمة على الطبيعة، التي يحددها الاتحاد العالمي للحفاظ على البيئة (IUCN) باعتبارها “إجراءات لحماية وإدارة واستعادة النظم البيئية الطبيعية أو المعدلة، والتي تتصدى للتحديات المجتمعية بشكل فعال وقابل للتكيّف، وتوفر في نفس الوقت رفاهية الإنسان ومنافع التنوع البيولوجي”، وليس فقط تقليل انبعاثات غازات الدفيئة وعزل المزيد من الكربون، تساهم جميعها في بناء القدرة على الصمود في وجه تغير المناخ. كما أنها توفر تنقية المياه، وتخفيف الفيضانات، والحد من مخاطر الكوارث مع تحسين صحة التربة والتنوع البيولوجي.
إن الحلول القائمة على الطبيعة التي توازن بين الأهداف الاجتماعية والاقتصادية والبيئية لديها القدرة على انتشال مليار شخص من الفقر، وخلق العديد من الوظائف وإحداث طفرة في النمو الإنتاجي للاقتصاد العالمي. أن تقدم فوائد فورية وفعالة من حيث التكلفة على المدى الطويل للتخفيف من تغير المناخ والتكيّف مع آثاره التي لا مفر منها. بدون اتخاذ إجراءات بشأن كل من التنوع البيولوجي والمناخ لا يمكن أن تكون هناك تنمية مستدامة.
إن الإطار العالمي للتنوع البيولوجي لما بعد عام 2020، والذي تم التفاوض عليه سابقا وإعتماده في الاجتماع الخامس عشر لمؤتمر الأطراف في اتفاقية التنوع البيولوجي يحدد لاحقاً هذا العام خمسة أهداف طويلة المدى تتعلق برؤية 2050 تحت شعار “العيش في وئام مع الطبيعة”. ويقترح الإطار منع فقدان المناطق المحمية من أجل الطبيعة وزيادتها بشكل كبير على المدى الطويل لضمان مرونة النظام البيئي. إن حماية الطبيعة ومنع الناس من الاتصال بأجزاء لم تمس من البرية، سيقلل حتما من احتمالية انتشار الجوائح في المستقبل. كما يتضمن مقترحات لضمان فوائد الطبيعة للناس وزيادتها بشكل مستدام من أجل تحسين التغذية العالمية والحصول على مياه الشرب، فضلاً عن تطوير القدرة على الصمود في مواجهة الكوارث الطبيعية ودعم الجهود المبذولة لتحقيق أهداف اتفاق باريس للمناخ. هذه الأهداف كلها جزء لا يتجزأ من تحقيق أهداف التنمية المستدامة (SDGs)؛ ويمكن أن تلعب دوراً مهماً في بناء القدرة على الصمود. والأهم من ذلك، أن تطبيق الدروس المستفادة من تنفيذ الخطة الإستراتيجية سيساعد في ضمان أن يكون الإطار طموحاً وتحويلياً.
وهذا يعني أن هناك حاجة إلى مزيد من الجهود الدولية لمعالجة الدوافع المباشرة وغير المباشرة لفقدان التنوع البيولوجي. ويشمل ذلك اتباع نُهُج متكاملة وشاملة للتخطيط والتنفيذ، وزيادة التفاعل بين الوزارات الحكومية والقطاعات الاقتصادية والمجتمع؛ ووضع أهداف وغايات جيدة طموحة التصميم مصاغة بلغة واضحة وبسيطة، مع مؤشرات قابلة للقياس، ورصد أكثر فعالية وشفافية، وموارد كافية؛ وتقليل الفترات الزمنية في تخطيط وتنفيذ استراتيجيات التنوع البيولوجي وخطط العمل المرتبطة بها؛ والالتزام بنهج متكامل يشمل الحكومة بأسرها والمجتمع بأكمله لتحسين الطريقة التي ندير بها البيئة الطبيعية والتفاعلات مع المجتمع البشري؛ وبالنظر إلى أزمة الجائحة الحالية، اتباع نهج “الصحة الواحدة” – الذي يدعو إلى إدارة النظم الإيكولوجية، بما في ذلك النظم الإيكولوجية الزراعية والحضرية، وكذلك استخدام الحياة البرية، من خلال نهج متكامل، لتعزيز النظم الإيكولوجية الصحية والأشخاص الأصحاء. إن إستمرار التراجع العالمي فى التنوع البيولوجي وخطر ظهور وإنتشارالجوائح في المستقبل لهما العديد من الأسباب الرئيسية المشتركة التى أدت لذلك ومنها تدهور الغابات وتجزئة الموائل التي تدفع الإنسان والحياة البرية إلى الاحتكاك بشكل متزايد وزيادة نسبة إنتقال الأمراض. ومن خلال إمكانية تطبيق سياسات حماية التنوع البيولوجي الأكثر فعالية أن تقلل من مخاطر الجوائح في المستقبل – يحتمل أن يكون ذلك بجزء بسيط من التكاليف الاقتصادية والاجتماعية المرتبطة بالجائحة العالمية. وأزمة كوفيد-19 كانت بمثابة جرس الإنذار لإصلاح علاقتنا المتدهورة مع الطبيعة وأعادت التأكيد على أن التنوع البيولوجي أمر أساسي لصحة الإنسان وحيوي للتنمية المستدامة. وتمتد فوائد وفعالية التكلفة للعمل مع الطبيعة إلى مجالات أخرى – بما في ذلك الأمن الغذائي والمائي، وتغير المناخ. لحسن الحظ، أصبح هذا مفهوماً بشكل أفضل، حيث بدأ الناس يدركون أهمية التنوع البيولوجي لصحتهم ورفاهيتهم وازدهارهم.
وفى قمة الأمم المتحدة للتنوع البيولوجي التي عقدت في العام الماضى تعهد القادة بالعمل لأجل الطبيعة، وكذلك فى قمة كوكب واحد، وكل هذه الفعاليات شهدت إرادة واحدة والتزامات سياسية متجددة بشأن حماية التنوع البيولوجي من أجل التنمية المستدامة مع التأكيد على الجهود المبذولة للحد من إزالة الغابات، ووقف ممارسات الصيد الجائر والغير المستدامة، وإلغاء الإعانات الضارة والانتقال إلى نظم الإنتاج الغذائي المستدامة.
وتم كذلك إطلاق مبادرة PREZODE في قمة “الكوكب الواحد” One Planet لحماية التنوع الحيوي في باريس في يناير 2021؛ وركزت القمة التي استمرت ليوم واحد على أربعة مواضيع رئيسية: حماية النظم البيئية البرية والبحرية. تعزيز إيكولوجيا الزراعة، وهي طريقة أكثر استدامة لزراعة المحاصيل الغذائية، زيادة التمويل لحماية التنوع البيولوجي ؛ وتحديد الروابط بين إزالة الغابات وصحة الإنسان والحيوان. وللمساعدة في منع الجائحة التالية من خلال إجراؤ العديد من البحوث العلمية المشتركة كمحتواة لتقليل الضغوط على التنوع البيولوجي. للحد من الصدمات المستقبلية وبناء المرونة المجتمعية، يجب أن يركز التعافي بعد الجائحة على الرفاه والشمولية، وإحداث تغييرات في الاستثمار والسلوك.
إذن لتوسيع نطاق الطموحات الوطنية لحماية الطبيعة؛ وضمان أن يكون العمل المنجز على المستوى الوطني في نطاق الأهداف العالمية ويجب بذل جهود أكبر لإدخال التنوع البيولوجي في مركز صنع القرار في جميع جوانب الحياة والحكومة والاقتصاد. نحن بحاجة للعمل مع الطبيعة لمواجهة التحديات المتعددة التي نواجهها – تحقيق التنمية المستدامة، وإبطاء تغير المناخ وعكس فقدان التنوع البيولوجي. من خلال الإجراءات التالية: (1) تحويل الأراضي والغابات: الحفاظ على النظم الإيكولوجية السليمة، واستعادة النظم الإيكولوجية، ومكافحة التدهور وعكس مساره، واستخدام التخطيط المكاني على مستوى المناظر الطبيعية لتجنب وتقليل وتخفيف تغيّر استخدام الأراضي؛ (2) التحويل المستدام للأنظمة الغذائية: تمكين النظم الغذائية المستدامة والصحية مع التركيز بشكل أكبر على مجموعة متنوعة من الأطعمة واستهلاك أكثر اعتدالاً للحوم والأسماك، فضلاً عن التخفيضات الكبيرة في النفايات التي ينطوي عليها الإمداد بالأغذية واستهلاكها؛ (3) التحويل المستدام لمصائد الأسماك والمحيطات: حماية النظم الإيكولوجية البحرية والساحلية واستعادتها، وإعادة بناء مصايد الأسماك وإدارة تربية الأحياء المائية والاستخدامات الأخرى للمحيطات لضمان الاستدامة وتعزيز الأمن الغذائي وسبل العيش؛ (4) التحول لنهج الصحة الواحدة.
أن استمرار فقدان التنوع البيولوجي وتدهور النظم البيئية سوف يقلل من قدرة التنوع البيولوجي والنظم الإيكولوجية على توفير الخدمات الأساسية للحفاظ على الحياة، من الأمن الغذائي والتغذية إلى تنظيم جودة المياه والهواء، فضلاً عن تنظيم الآفات والأمراض.
ومن هنا أصبح التنوع البيولوجي قضية عالمية ذات أهمية كبيرة ولكن رغبة قادة العالم في معالجة هذه القضايا مباشرة تبشر بالخير للمستقبل. أمامنا فرصة فريدة لإعادة تصور وتحويل علاقتنا مع الطبيعة مع تعزيز المجتمع والصحة العالمية. يجب أن نغتنم الفرصة لأننا جميعاً نشكل جزءاً من الحل.
إن حماية التنوع البيولوجي وإستدامتها تتطلب الحاجة إلى إجراءات جريئة ومترابطة من خلال زيادة الجهود المبذولة للحفاظ على التنوع البيولوجي واستعادته، والتصدي لتغير المناخ بطرق تحد من ارتفاع درجة الحرارة العالمية دون فرض ضغوط غير مقصودة على التنوع البيولوجي، وتغيير الطريقة التي نتبعها في إنتاج واستهلاك والمتاجرة بالسلع والخدمات التي تعتمد على التنوع البيولوجي وتؤثر عليه.
بقلم: ا.د/ عاطف محمد كامل أحمد-مؤسس كلية الطب البيطري جامعة عين شمس ووكيل الكلية لشئون خدمة المجتمع وتنمية البيئة والمشرف على تأسيس قسم الحياة البرية وحدائق الحيوان استاذ وخبير الحياة البرية والمحميات الطبيعية- اليونسكو وبرنامج الأمم المتحدة للتنمية وخبير التغيرات المناخية بوزارة البيئة- الأمين العام المساعد للحياة البرية بالاتحاد العربي لحماية الحياة البرية والبحرية- جامعة الدول العربية.