يرتبط الكاتب عادة مع القراء بعلاقات صداقة متعددة وواسعة رغم عدم اللقاء المباشر مع معظمهم. ويعزز تلك الصداقة تفاعل القراء مع ما يطرحه الكاتب من أفكار. ولا يتردد أي كاتب مخلص في تلبية رغبة بعض القراء في مقابلته ، بل ويسعد بذلك . وبالنسبة لي أكرمني الله بزيارتي بمكتبي بجريدة الجمهورية قراء من العديد من المحافظات ، بل والعديد من الأصدقاء العرب (ممن يكونون في زيارة لبلدنا الغالي مصر ) ، وأقدر لهم تعبهم في السفر مئات الكيلومترات كي يلتقوا بعض الوقت قد لا يمتد لساعة من الزمن .
وزاد من سعادتي أن أغلبهم جاء للزيارة والحوار المباشر مع كاتب يطرح أفكار جادة تهدف لصالح المجتمع ، وليس لمطالب شخصية .
وحرصا على وقت القراء وتجنبا لتعبهم كان يتم الاتفاق على توقيت هذه الزيارات مسبقا. ومؤخرا أبلغت أحد القراء الأعزاء بأنني متواجد بالجريدة في يوم الجمعة ويسعدني رؤيته . ولكنه إعتذر بكل أدب واحترام قائلا : ” يوم الجمعة مخصص للأسرة” . وتوقفت عند هذه الإجابة بتقدير كبير، لأنه قلما تجد رجل في زماننا المعاصر يخصص يوما في الأسبوع لأسرته .
ومن هنا جاءت فكرة مقال اليوم بعنوان ( يوم الأسرة ) ، وهو يوم مهم رغم أن الغالبية العظمى من المصريين يغفلون عن أهميته . لأن النتائج الإيجابية التي تجنيها الأسرة من هذا اليوم أكبر بكثير من أي مكاسب مادية قد يحققها الأب أو الأم أو أحد أفراد الأسرة. فأحداث هذا اليوم تظل عالقة في عقل الأبناء ، وتستمر تأثرهم بها طوال حياتهم حتى بعد ان يستقلوا بالزواج وبناء أسر جديدة.
ولا يزال صديق لي تجاوز عمره الـ 60 عاما يتذكر الإفطار الجماعي لأسرته صباح كل يوم جمعة والتي كان يعقبه جلسة لكل أفراد الأسرة تمتد حوالي 3 ساعات حتى قبل صلاة الجمعة . يتم خلالها مناقشة المشاكل التي تعرضت لها الأسرة أو بعض أفرادها على مدى الأسبوع ،ويشارك الجميع برأيه في الحل. يعقب ذلك فقرة القرآن الكريم حيث يقوم كل فرد بقراءة صفحة من المصحف يتم خلالها تصحيح بعض الأخطاء خاصة في التشكيل . ثم تحل فقرة الحديث النبوي الشريف حيث كان الوالد يختار كل جمعة حديث يقوم كل أفراد الأسرة بقراءته من كتاب ( رياض الصالحين ). وكان الوالد يتيح لكل فرد في الأسرة بما فيهم الأم ليعبر بكلمات بسيطة عما فهمه من الحديث ، ثم يقوم الوالد بشرح تفصيلي للحديث . ثم تختتم الجلسة بأطيب الدعاء يقرأه الوالد وباقي أفراد الأسرة يقولون ” آمييييين “.
ويقول صديقي بكل فخر ، وداعيا بالرحمة والمغفرة لوالديه ، أنه نقل تلك التجربة المثمرة ( يوم الأسرة ) عندما تزوج وبدأها مع زوجته ثم مع أبنائه . وكان من ثمرتها ، بفضل الله أولا ،تنشئة أبناء صالحين متفوقين دراسيا وأخلاقيا.
ما أجوجنا في هذه الأيام الصعبة لتخصيص يوم في الأسبوع للأسرة لتقويتها في مواجهة الهجمة الشرسة التي يخطط لها الأعداء في الخارج ويشارك في تنفيذها عملاء في الداخل ، والتي تستهدف تفكيك الأسر المصرية القائمة ، ومنع قيام أسر جديدة بوضع عراقيل أمام الزواج وذلك بنشر الرزيل في المجتمع، واستغلال الانتر نت في تسهيل الخيانات الزوجية ، وفي التغرير بالشباب والفتيات .
ولنعلم جميعا أن تخصيص يوم للأسرة كل أسبوع ضروري جدا لتقوية الروابط الأسرية وتحصين الأبناء والأزواج والزوجات ضد هوس الانتر نت ومواجهة المشاكل المتزايدة بسبب الإفراط في استخدام وسائل التواصل الإجتماعي .
وليس شرطا أن يكون يوم الأسرة هو يوم الجمعة ، فممكن أن يكون أي يوم في الأسبوع حسب ظروف كل أسرة. وإذا تعذر تخصيص يوم بالكامل للاسرة ،فلا مانع أن نبدأ بتخصيص 4 ساعات في أي يوم من أيام الأسبوع .
Aboalaa_n@yahoo.com