قد ذكر معظم المكتشفين الجغرافيين الأجانب أن الذين يقومون بنشر الإسلام فى أفريقيا أكثرهم من الدعاة والمسلمين الذين درسوا فى الأزهر الشريف بصفة خاصة . هذا الجامع الذى يهرع إليه الطلاب من جميع أنحاء العالم وبخاصة من شعوب أفريقية . وقد قام هؤلاء المعلمون بإنشاء المدارس والزوايا لتعليم أصول الدين ، والتفقه فى أحكام الإسلام . وقد ذكر المقريزى فى خططه أن عدد هؤلاء الطلاب بلغ فى عهده – فى القرن التاسع الهجرى – الخامس عشر الميلادى ( 750 ) طاباً وكان لكل طائفة منهم ( رواق ) – يعرف بهم ، وكان من أهم هذه الأورقة رواق ( الدكارته ) و( رواق السناربه ) و ( رواق الجبرت ) و ( رواق برنو ) .. وقد انتهى عهد الأورقة فى الأزهر الشريف الآن ، بعد أن تكاثر عدد الوافدين إلى ( مصــر ) من أنحاء العالم الإسلامى . حيث أنشئت لإقامتهم مدينة خاصة هى ( مدينة البعوث الإسلامية ) تضم حوالى عشرة آلاف طالب من كل الجنسيات المعروفة فى العالم .. وكان آخر ما وصل إلى هذه المدينة من الطلاب الدارسين فى الأزهر ، طلبة من اليابان ، والولايات المتحدة الأمريكية ، وجنوب أفريقيا وبريطانيا .. وقد عمل الأزهر الشريف على تسهيل دراسة هؤلاء الطلاب الذين لا يعرفون حرفاً واحداً من اللغة العربية ، فأنشىء من أجل ذلك قسم الدراسات الخاصة لتعليم اللغة العربية ، كما أنشىء ( معهد البعوث الإسلامية ) الذى تسير مناهجه وفقاً لحاجات هؤلاء الطلاب اللغوية والدراسية . وكلاهما أى قسم الدراسات الخاصة ومعهد البعوث تابع للأزهر الشريف الذى يقدم لهؤلاء الطلاب المنح الدراسية ، ويوفر لهم كل أسباب الراحة طوال سنوات التعليم والدراسة . وقد تخرج الألوف من هؤلاء الطلاب فى الأزهر الشريف ، وتولوا فى بلادهم أرفع مناصب التعليم الدينى والتوجيه .. ولم يكن ذلك ليتم لولا تلك الرعاية التى شملتهم بها ( مصــر ) طوال سنوات التعليم ، ولولا الدور الذى تقوم به ( مصــر ) فى خدمة الدين .. وقد خطت ( مصــر ) فى هذا المجال خطوة أخرى تختلف عنها فى الصورة وأن اتفقت معها فى القصد والغاية . هذه الخطوة أو ( الخطة ) تتمثل فى إرسال العلماء والدعاة إلى مختلف أقطار العالم الإسلامى ، وفى إنشاء المراكز الإسلامية فى العواصم الهامة ، وفى إقامة المعاهد والمدارس الخاصة . وفى نيجيريا مثلا توجد بعض المراكز الثقافية التى تنفق عليها ( مصــر ) وتشرف عليها ، وفى الصومال أنشىء العديد من المدارس على حساب ( مصــر ) لتعليم أصول الدين واللغة العربية ، كما أن هناك فرعاً لجامعة القاهرة فى مدينة الخرطوم ، وفى الخرطوم نفسها قام أكبر مركز إسلامى لتخريج الدعاة الإسلاميين بمساعدة كبرى من القاهرة وإشرافها .. وفى خارج العالم الإسلامى ، كان أول مركز إسلامى أنشىء فى أوربا – وهو مركز لندن – من سعى ( مصــر ) وعملها ، وهناك مركز آخر فى واشنطن أقامته ( مصــر ) بجهودها ، وتبع ذلك إنشاء مراكز إسلامية أخرى . لكن .. هل هذا كل ما فعلته ( مصــر ) فى سبيل نشر الدعوة الإسلامية ؟ إن فى ( مصــر ) إذاعة خاصة بالدعوة الإسلامية هى ( إذاعة القرآن الكريم ) .. هذه الإذاعة تبث إرسالها على موجتين قصيرة ومتوسطة وتتنوع برامجها لتشمل كل حاجات المسلمين الروحية والفكرية وتذيع يومياً لأكثر من عشرون ساعة ، كما لا يفوتنا أن نسجل ما تقوم به ( البرامج المواجهة ) فى نشر الوعى بالحضارة الإسلامية ، وتلبية حاجات المستمعين فى القضايا الدينية ، لقد سجلت ( البرامج الموجهة ) تفوقاً ملحوظاً فى هذه الناحية ، واستكتبت لبرامجها كبار العلماء والمفكرين فى الأزهر الشريف والقاهرة . وهذا هو قدر ( مصــر ) قدرها ديناً .. وقدرها تاريخاً .. وقدرها مكاناً .