فى الناس من يسهرون مع الحب يحتفلون به ، ويهتفون باسمه ويتغنون بمشاعره ، والحب حقيقة فطرة ، فطر الله الناس عليها ولولا الحب لتناثرت العلاقات الاجتماعية ، ولولاه لما وجد فى الكون تعاون ولا تلاق على الطريق . والمهم فى هذا كله هو البحث عن المحبوب ، لأنك حين يكون هناك حب لابد أن يوجد محبوب ، كما أنه عندما تكون هنالك الكراهية لابد أن تكون هنالك من تكرهه . فمن هو المحبوب الذى فطر الإنسان على حبه ؟ .. هو واحد من أمور ثلاثة لا رابع لها : إما أن يكون جمال يستولى على الفؤاد ، أو يكون إحساناً يأخذ بمجامع النفس ، أو أن يكون عظمة تبهر البصائر والأبصار ولا يمكن للحب أن يتجاوز هذه الأمور الثلاثة . فمن هو صاحب هذه الصفات أجمع ؟ من هو الجميل الذى صدرت عنه لوحات الجمال أجمع ؟ من هو المحسن الذى تفرعت عن احسانه سبل الاحسان كلها ؟ من هو العظيم الذى بهر بعظمته البصائر والأبصار ؟ : ( إنه الله سبحانه وتعالى ) . إنه سبحانه الجميل الذى أبدع صفحات الأكوان فجعلها متعة للعين إذ ترى ، وجعل منها متعة للأذن إذ تسمع ، وجعل منها متعة للأنوف إذ تشم ، وجعل منها للأفواه إذ تتذوق ، فسبحانه الجميل الأوحد ، والمحسن الأوحد ويضل ويتيه من يقف عند الأسباب . إذا من هو المحبوب الذى ينبغى أن نسأل عنه ونبحث عنه إنه الله سبحانه وتعالى . ربما وقف الإنسان أثناء بحثه أمام صور من المال تستثير الغرائز وتستثير الأهواء والشهوات ، وربما وقف الإنسان أمام هذه اللوحات يخيل إليه أنه وصل إلى مبتغاه ، لكن الحقيقة تقول له واصل السير فإن مبتغاك أمامك ، لا تقف عن هذه الاستراحات إن المحبوب الذى تريده وتريد أن تمنحه حبك أمامك ، اخترق الصور والأشكال ولا تستجب لهذه الغرائز والشهوات فإن المحبوب الحقيقى عندما وضعها فيك إنما وضعها ليجعل منها استراحات لك على الطريق الموصل إليه . لا تتيه فى المنعرجات ، ولا تقف أمام اللوحات التى تراها مشروعة على يمين الطريق أو يساره وواصل السير فى الطريق لتصل إلى المحبوب الحقيقى الذى فطر الإنسان على حبه قبل فوات الأوان . فهنيئاً لمن تعرف على محبوبه . لأن من تعرف عليه . وقف وقت السحر على أقدام الذل ، وقال بلسان التذلل ( يا أيها العزيز مسنا وأهلنا الضر ) . فسوف يبتسم ثغر سحاب العفو : ( لا تثريب عليكم اليوم يغفر الله لكم وهو أرحم الراحمين ) . ويتم الصلح مع الله ، وإذا تم الصلح التزمنا النهج الذى أمرنا به ، وابتعدنا عن المنعرجات التى حذرنا منها فى قوله سبحانه : ( زين للناس حب الشهوات من النساء والبنين والقناطير المقنطرة من الذهب والفضة والخيل المسومة والأنعام والحرث ، ذلك متاع الحياة الدنيا والله عنده حسن المآب قل أؤنبئكم بخير من ذلك ، للذين اتقوا عند ربهم جنات تجرى من تحتها الأنهار وأزواج مطهرة ) . ووقفنا جميعاً ملبين لقوله سبحانه : ( وإن هذا صراطى مستقيما فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله ذلكم وصاكم به لعلكم تتقون ) . فكم من أناس أمضوا الشطر الأكبر من حياتهم فى منعرجات هذه الدنيا تائهين ضالين ، يقفون أمام الصور الزائفة للجمال مخدوعين ، ولكنهم ساروا وإذا بهم وقفوا أمام الشرع الحقيقى ، فأخذوا يستغفرون من أيامهم السالفة ، ويبكون عمرهم الذى مضى ويتغنون بمحبوبهم الذى عرفوه بعد طول تيه وضلال .