تضمن كتاب ” إسلام بلا مذاهب ” للراحل الكبير د. مصطفى الشكعة العميد الأسبق لكلية الآداب جامعة عين شمس فصلاً تمهيديا للتعريف بالإسلام، وما قدم من تشريعات سماوية ترقى فوق كل التشريعات السابقة واللاحقة، وما حوى من نظم مثالية، وتكافل اجتماعى عادل، وشورى، وحرب على التمييز العنصري، ورد على كثير مما أثاره أعداء الإسلام حول بعض القضايا التى يهاجمون الدين الحنيف من خلالها، مثل موقف الإسلام من المرأة، وحكمة تعدد الزوجات، والرق، وخرافة انتشار الإسلام بالسيف .
والكتاب مكون من ستة أقسام، الأول بعنوان “ماهية الإسلام”، وفيه يعرض د. الشكعة للإسلام من خلال تناول بعض خصائصه، مثل كونه ” دين فطرة ” يتلاءم مع الطبيعة البشرية، ويقر بوجود إله واحد، موضحاً سماحة الشريعة الإسلامية ومرونتها، ويعرض لبعض المبادئ التى أقرها الإسلام، مثل التكافل الاجتماعى والشورى والمساواة .
ثم يأتى القسم الثانى من الكتاب بعنوان ” انقسام الإسلام إلى مذاهب وفرق “، وتحدث فيه عن بداية انقسام المسلمين بعد موت الرسول صلى الله عليه وسلم بهدف الوصول إلى السلطة، متناولاً بعض الفرق التى انقسمت وهى ” الخوارج، الإباضية، الشيعة، الإمامية، الزيدية “، من حيث نشأة وعقيدة ورموز كل فرقة منهم، وفى القسم الثالث يتحدث د.الشكعة عن ” غلاة الشيعة “، ويعرض لفرق الإسماعيلية والدروز والعلويين .
وفى القسم الرابع يتحدث بالتفصيل عن المعتزلة، ثم جعل عنوان القسم الخامس ” أهل السنة “، وتحدث فيه عن حياة الأئمة الأربعة، أبو حنيفة ومالك والشافعى وأحمد أبن حنبل، كما تناول كلاً من الأشاعرة والمتصوفة .
أما القسم السادس والأخير فقد جاء تحت عنوان ” حروب وقتال بسبب المذاهب “، وتناول فيه أهم الحروب التى حدثت بين المسلمين بدعوى الخلافات المذهبية ، وهى فى حقيقتها صراعات على السلطة، كانت سببا فى إضعاف الأمة الإسلامية وتخلفها.
وتتعدد المقدمات التى كتبها د. الشكعة لكل طبعة من طبعات كتابه السبعة، وهذا التعدد ليس مقصودا لذاته، لكنه يحمل حكايات وعجائب وطرائف يجب أن تحكى، لأنها تكشف جوانب مهمة من تاريخ مصر، والبيئة الثقافية التى ظهر فيها الكتاب .
فى مقدمة الطبعة الأولى (مارس 1960) أوضح المؤلف أن هدف الكتاب التأكيد على أن المذاهب تختلف فى ظل دين واحد ورسول واحد، وأنه نظر إليها جميعا نظرة علمية سمحة، بعيدا عن التعصب المذهبى، حتى يتعرف المسلمون على مذاهبهم وفرقهم وطوائفهم معرفة صحيحة، مؤكدا أن الفارق ليس واسعا بين كثير من المذاهب، وسوف يكون اللقاء بينها أيسر مما يظن الكثيرون.
وليس يخفى أن هذه الروح الباحثة عن لم الشمل، كانت تناسب عصرا يسعى للوحدة، ونظاما سياسيا يتحدث عن الأمة، وربما أراد د.الشكعة التأكيد على أن الإسلام ـ وليس القومية العربية ـ هو ما يجمع عناصر الوحدة والقوة والعزة، وكانت كلماته فى هذه المقدمة تذكيرا بأن الإسلام سابق فى إقرار مبادئ الحرية والعدل على الاشتراكية التى يتبناها نظام عبدالناصر .
وفى مقدمة الطبعة الثانية (يناير1971) يخبرنا المؤلف بأنه أضاف إلى الكتاب ثلاث إضافات لم تكن فيه، الأولى تتعلق بمكانة المرأة فى الإسلام، والثانية تتضمن سيرة لأئمة أهل السنة العظام، أبى حنيفة ومالك والشافعى وابن حنبل، والثالثة مراجعة لما كتب عن المذهب الدرزى.
وفى مقدمة الطبعة الثالثة (ديسمبر 1971) يشير المؤلف إلى أنه أضاف دراسة عن الصوفية، منشأ وفكرا ومسلكا، عمد فيها إلى الإيجاز فى غير خلل بالقصد ولا غلو فى الرأى، وفى مقدمة الطبعة الرابعة (سبتمبر 1972) يخبرنا بأنه قدم إضافة ذات شأن لإلقاء مزيد من الضوء على جماعة العلويين، كى ينتبه العقلاء منهم إلى العلة التى قد تخفى على بعضهم، فيقومون بعلاجها بطريق الحكمة والتعقل .
وفى مقدمة الطبعة الخامسة (يولية 1976) يفاجئنا د. الشكعة بمفاجأتين، الأولى أن الكتاب ” كان مغتربا عن الوطن سنوات طوالا تحت وطأة الظروف التى حاقت بمصر فى الستينيات، فقد كان ممنوعا من الطباعة والنشر فى مصر، وكان يطبع ويوزع فى بيروت، أما المفاجأة الثانية فهى اختفاء الفصل الخاص بالطائفة الدرزية من هذه الطبعة لأسباب كثيرة، لعل أهمها اطلاعه على كتابهم ” مصحف المنفرد بذاته “.
لكننا سنفاجأ فى مقدمة الطبعة السادسة (مارس1986) بعودة الفصل الخاص بالدروز مع إضافات تزيد القارئ معرفة، وذلك بعد أن تلقى المؤلف رسائل من أصدقائه الدروز المعاتبين، ذاكرين أنهم يعتقدون ما تعتقده جمهرة المسلمين، مع خلاف لايصلح أن يقوم أساسا لاستبعادهم من كتابه، ومؤكدين تمسكهم بأركان الإسلام الخمسة، وأنهم غير مسئولين عن الغلو الذى تورط فيه فريق منهم .
وفى مقدمة الطبعة السابعة (سبتمبر1988) يخبرنا المؤلف بأنه خلال عام مضى كان أكثر اقترابا إلى مصادر القاديانية والأحمدية، وقد رأى أن يعيد كتابة الفصل الخاص بهذه الفرقة لمزيد من التعريف بها، وقد فعل الشيء نفسه فى الفصل المتعلق بالشيعة الإمامية بعد أن أثار الخمينى ـ زعيم الثورة الإيرانية عام 1979 ـ أفكارا كانت مطوية فى بطون الكتب القديمة، مع علمه ـ أى المؤلف ـ بأن كثيرا من الشيعة لايوافقون على هذه الأفكار ويردون عليها، لكنه آثر أن يضع رأى الفريقين معا فى الكتاب لتحرى الدقة والأمانة .