بدأت أحداث هذه القصة منذ عدة عقود، بداخل إحدى شركات النفط في إحدى الدول العربية الكبرى.
كان هناك صبي صغير، مجرد عامل بسيط من أحد مُواطِنِي الدولة، وعندما شعر فى أحد الأيام بالعطش، سارع في البحث عن الماء.. وكان في غاية السعادة عندما رأى الماء البارد أمامه، وبادر فورًا في ملء كوب من الماء ليشرب. إلا أن يده ظلّت معلّقة في الهواء وهي تمسك الكوب، عندما سمع أحدهم مُوبِّخًا له: “توقَّف، الماء ليس لك.. أنت مجرد عامل.. إنما الماء هنا للمهندسين فقط”. جاءته هذه العبارة من فَمِ مُهندس أجنبى يعمل في الشركة.
صَمَتَ الصبى وهو يتحمَّل العطش.. إنه يعلم أنه لم يَكُنْ سوى تلميذ في مدرسة ابتدائية للفقراء.. حتى وإن كان لديه ما يفخر به من العلم، حيث حفظ القرآن في صغره، لكن لا تقدير ولا قيمة لذلك في شركة النفط.
كان هذا التوبيخ والنقد الذي تعرّض له يرن دائمًا في رأسه.. ثم تساءل:
لماذا أتعرّض لذلك؟..
لماذا أنا فقط من تعرّض للمنع من شرب الماء؟..
هل لأنني مجرد عامل بسيط، بينما هم مهندسون؟..
ماذا لو أصبحت مهندسًا، هل سأتمكن من الشرب حينها؟..
هل بإمكاني أن أصبح مُهندسًا مثلهم؟..
ظلَّ هذا السؤال يدور دائمًا في خلد ذاك الصغير. وأصبحت هذه الواقعة في نهاية المطاف الدافع القويّ له حتى يوقظ هذا “التفكير الإيجابي” بداخله.
ذاكر الطفل الفقير ليلًا ونهارًا ولم يترك المدرسة يومًا.. كان ينام القليل من الساعات، ومن النادر أن تراه يقف مع أصدقاءه لفترة أو يمازحهم.
وأتت ثمرة العمل الجاد أكلها.. تخرَّج في النهاية من المدرسةِ الثانوية.. وأتاح له توفيق الله عزَّ وجل ثم جهده الدؤوب الفرصة لاستكشاف العلوم. فتم ابتعاثه إلى الولايات المتحدة الأمريكية ليحصل على بكالوريوس الهندسة في الجيولوجيا، ثم الماجستير، وتخرَّج الشاب بنتائج رائعة.
بعدها عاد إلى دولته، وأصبح مهندسًا فى نفس الشركة، وتمكَّن من شرب الماء الذي مُنِعَ عنه من قبل.
تدرَّب على العمل بجد فتقلد وظيفة تلو الأخرى.. وقفزت مسيرته الطيبة من مدير مساعد، إلى مدير إدارة، إلى نائب رئيس، حتى شغل منصب نائبًا تنفيذيًا للرئيس لأعمال الزيت والغاز، وهو من أعلى المناصب التي يُمكن بلوغها من مواطني هذه الدولة في ذلك الوقت.
ثم كانت هناك واقعة قوية عندما شغل هذا المنصب.. ذلك أن المهندس الأجنبى الذي وبّخه في السابق، أصبح الآن من المرؤوسين.. وفي أحد الأيام، أراد هذا المهندس أن يستأذنه للحصول على إجازة، فقال:
“أود أن أحصل من حضرتكم على إذن إجازة. أرجو ألا تربط موقف الماء الماضي بالعمل الرسمي.. وآمل ألا تنتقم مني على خشونة تعاملي وسلوكي الوقح في الماضي”.
وهنا كان رد النائب التنفيذي:
“بل أود أن أشكرك من أعمق أعماق قلبي لأنك لم تسمح لي بالشرب في ذلك الوقت.. نعم كنت أكرهك.. لكن، بعد فضل الله عليّ، أنت أحد أهم أسباب نجاحي”.
ثم توالى النجاح فاحتلّ العامل البسيط سابقًا أعلى منصبًا في الشركة. وأصبح أول رئيسًا عربيًا للشركة التى تعد الآن أكبر شركة نفط في العالم.
حقيقى أسلوب تفكيرك، وطريقة تعاملك مع المواقف الصعبة، والتحديات الكبيرة التى تتعرض لها.. يحدث فرقًا جوهريًا فى تحديد شكل مستقبلك.