أما بعد..
وكان آخر حديثه حين الفراق..
(لكل وجهة هو موليها)..
لا بأس يا صديقي..
أنت اخترت الطريق إذن..
فإن ألجأتك الأيام إلى أعتابي..
فتذكر جيدا..
أنكَ يومَ رحلتَ..
تركتَ بالقلبِ جُرحا بعمقِ سبعِ أراضين..
لم يكف يوما عن النزف..
وبالحلق غصة ما زلت أجد أثر مرارها إلى الآن..
، وأن المرء لا يلدغ من جرح مرتين..
فكيف آمنُ جانبَكَ؟!..
وأنا حين تعريتُ في المرة السابقة..
ووضعتُ عن قلبي إزار التوق..
أتت الضربةُ القاتلةُ من الجانبِ الذي ظننتُ فيه مأمني..
فكيف يفتح القلب ثانية باباً من قلقٍ..
وأفضلُ عطايا مَنْ يطرقُ البابَ سهمُ..
وقارورةُ سُم..
أنا يا صديقي ما هجرتُك، ولا كان الغدرُ ديدني..
وإنما عودني رصيدُ الحزن أنْ أوصدَ الأبوابَ خوفا من سطوةِ الريحِ..
من سطوةِ الحُلمِ..
ومن سطوة خيباتي الكُثر..
عودني..!!
أن أضع ألف حاجز بيني وبين كل عادة سيئة تُنهك الروح
، وتستنزف الصبر وتوثق تاريخ الوجع بالحنايا..
بحبر من نار ومن دم..
كأن أصدق كذباتك المميتة تلك..
استعدادا لخيبة جديدة..
وخذلان جديد..
لفصل آخر من فصول البهتان..
يورق ويثمر وتونع سنابله بلا انتظار لمواسم الحصاد..
أو أهيئ نفسي..
وأقيم على شرف قدومك المزعوم في أزقة الأنفاس عُرسا..
بينما الأمر في الحقيقة يستدعي ألفَ مأتمٍ..
أرأيتَ يا صديقي..
كيف تصيرُ الثقةُ مشنقةً؟!..
عليها يُشدُ وثاقُ الحنينِ..
ليعدمَ في ساحة اليقينِ، وعلى مرأى كل جادٍ وهازل..
ذلك البريء بداخلي..
تتبعه اللعنات وقهقهات القوم وهم يتندرون..
(أي رزية تلك التي باء بها ذلك المأفون ليلقى ذلك المصير الأسود؟!)..
لا شيء يا سادة..
سوى أنَّ الحزن ها هنا متجذر..
وكلما اقتلعتُ جذورَه..
يتجدد..
وتبا لكل ذلك البياض الملعون الذي يمتهن-منذ أربعين بؤسا-دواخلي..
فهل انقضى كل ما أجج في العمق نارا؟!..
أو..!!!
تُراها..
هذه العذابات انقضتْ؟!..
كذبَ من قال..
انتهى..
النص تحت مقصلة النقد..
بقلمي العابث..