إنّ الوحدة بين المسلمين هي طريق ممهد للنّهوض بالأمّة الإسلامية، من جميع الجوانب الاقتصاديّة والمادّية والعلمية والثقافية. فنحن نرى ما يحصل لدولنا المعاصرة من ضعف اقتصادي وتجاري، بسبب وجود مصالح منفصلة لكلّ بلد.
بينما تعمل الوحدة الإسلاميّة على تكافل وتكامل الأدوار بين المسلمين. بحيث يقوم كلّ واحد منهم بتقديم، شكل من أشكال التّعاون والدّعم في سبيل الهدف الأسمى والأعظم. فالدّول التي تتمتّع بثروات نفطيّة وفيرة تقدّم المال، بينما تقوم الدّول التي تتمتّع بالكفاءة العلميّة والأكاديميّة والثقافية.
في ظل هذا التناقض بين حاجة الأمة إلى وحدة تنسجم مع ماضٍ تليد جعلها في مقدمة الأمم على مدى قرون، وتواجه حاضراً مهدداً بكل أنواع التحديات، وتهيء لمستقبل ناهض، وبين عوائق خارجية وداخلية تحول دون هذه الوحدة، خاضت الأمة في مواجهتها،
وما تزال، أكبر معاركها من أجل استقلال دولها وحرية مواطنيها وتنمية مجتمعها وعدالة انظمتها والتجدد في عطائها الحضاري، وهي أهداف مشروعها النهضوي الذي يقع في قلبه هدف الوحدة العربية متلازماً مع الأهداف الأخرى، التي لا مقايضة بينها، ولا إقصاء لأحدها لحساب الآخر، بل بينها تكامل تظهر الأيام أن كل خطوة على طريق أي هدف من هذه الأهداف هي خطوة على طريقها كلها.
ويزداد هذا التناقض الصارخ بروزاً حين نلاحظ أننا نعيش في عصر لا مكان فيه للتكتلات الصغيرة، ولا مستقبل لها، بل أن بعض هذه التكتلات يقوم اليوم بين أمم وجماعات مختلفة، شهدت فيما بينها صراعات وحروبا دموية عنيفة، لكن رغبتها بالبقاء والتقدم فرضت عليها شكلا من أشكال الوحدة، الاقتصادية، وحتى السياسية، بذريعة وجود مصالح تدفعها إلى ذلك في عالم يقولون إنه يقوم على المصالح لا المبادئ.
أن تعاليم ديننا الإسلامي الحنيف تحث على ذلك وترشد إليه كما في قوله تعالى: (هَلْ جَزَاءُ الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ)، «سورة الرحمن: الآية 60»، كما يجب الحرص على مد جسور المحبة والمودة مع أبناء الوطن في أي مكان منه لإيجاد جوٍ من التآلف والتآخي والتآزر بين أعضائه الذين يمثلون في مجموعهم جسداً واحداً متماسكاً في مواجهة الظروف المختلفة.
ونطالب بالعمل على غرس حب الانتماء الإيجابي للوطن، وتوضيح معنى ذلك الحب، وبيان كيفيته المثلى من خلال مختلف المؤسسات التربوية في المجتمع كالبيت، والمدرسة، والمسجد، والنادي، ومكان العمل، وعبر وسائل الإعلام المختلفة مقروءة أو مسموعةً أو مرئية،
والعمل على أن تكون حياة الإنسان بخاصة والمجتمع بعامة كريمةً على أرض الوطن، ولا يمكن تحقيق ذلك إلا عندما يُدرك كل فرد فيه ما عليه من الواجبات فيقوم بها خير قيام، مع ضرورة تربية أبناء الوطن على تقدير خيرات الوطن ومعطياته والمحافظة على مرافقه ومكتسباته التي من حق الجميع أن ينعم بها،
وأن يتمتع بحظه منها كاملاً غير منقوص. يجب إعلاء المصلحة العليا على أي مصلحة حزبية أو طائفية مطلوب العمل على غرس حب الانتماء الإيجابي مصطفى حسني كادر الإسهام الإيجابي مع أهمية الإسهام الفاعل والإيجابي في كل ما من شأنه خدمة الوطن ورفعته سواء كان ذلك الإسهام قولياً أو عملياً أو فكرياً، وفي أي مجال أو ميدان،
لأن ذلك واجب الجميع، وهو أمر يعود عليهم بالنفع والفائدة على المستوى الفردي والاجتماعي، وكذلك التصدي لكل أمر يترتب عليه الإخلال بأمن وسلامة الوطن، والعمل على رد ذلك بمختلف الوسائل والإمكانات الممكنة والمتاحة، والدفاع عن الوطن عند الحاجة إلى ذلك بالقول أو العمل.
كادر طلب العلم قال الداعية مصطفى حسني: واجبنا تجاه وطننا يجب أن يكون بالجد في طلب العلم واكتساب الخبرة، وبالتالي خدمة الوطن في شتى مجالات الحياة، ليتكون لدينا في المستقبل تقديم الأفضل للأجيال المهددة للغزو الثقافي،
ومن واجب أفراد المجتمع التعاون في جميع بقاع الأرض لتتحد كلماتهم وصفوفهم ويصبحوا كالبنيان المرصوص، فيستطيعوا إعادة العزة والمنعة لدولتهم وصد الأخطار عنها، كما لا يغيب عن بالنا ما للأخلاق من أهمية، بغرس الإيمان في النفوس والالتزام بالخير والحق والعدل والإخلاص في العمل وإتقانه. يجب علينا السعي لإبقاء هذه النعمة وتنميتها وتقويتها،
ومما يُعينُ على ذلك أن نتخذ لنا قاعدةً مفادها أن أهم مكتسباتنا هو وحدة الصف والسمع والطاعة لقيادتنا المباركة، وتفخيم شأن دولتنا في نفوسنا بحيث لا تُقارن مصالحها بالمآرب الخاصة البتة، فلا يُقبلُ من أيِّ فردٍ منا أن يُقايض مصلحة الوطن واستقراره بمصلحته،
بل علينا أن نجزم بأن مصالح الوطن من صميم مصالحنا، فكل ما يرفع وطننا ويحميه، فإنه يرفع كُلَّاً منا ويحميه، وكل ما يُتخيل أن فيه مصلحة لفلان وفيه مفسدة للوطن فإنه مفسدة للشخص نفسه من حيث لا يشعر، والذي تخيَّلَهُ مصلحةً إنما هو سرابٌ منزوعُ الفائدة بمجرد تعارضه مع مصلحة الوطن.
إنّ الوحدة بين الأقطار العربية تجعل الشّعوب العربيّة والإسلاميّة، كالجسد الواحد والبنيان المرصوص. الذي لا يستطيع تفرقته أحد، بينما يمثل التّشرذم والانفصالات، وكثرة المشاكل علامة الضّعف والهزيمة والفشل. لذلك في حين كان المسلمون أقوياء عندما كانت الوحدة والترابط بينهم قوية، ولم يستطع أعداء الأمة الإسلامية. تحقيق ما أرادوه وما خططوا له إلاّ عندما تفرّق المسلمون.
وتشتّتت أهدافهم وأمورهم وكثرت الخلافات بينهم. وقد كان من أجل أهداف وأماني القادة وكبار المسلمين عبر التّاريخ والأزمان، أن تبقى الأمّة الإسلاميّة موحّدة مترابطة كالجسد الواحد. لذلك عمل صلاح الدّين الأيوبي، منذ أن قدم إلى مصر على تحقيق الوحدة بين مصر والشّام وجعلهم شعب واحد في جميع جوانب وأمور حياتهم. لمّا أدرك أهميّتها في صدّ العدوان الصّليبي، وتدمير مخططاتهم وكبح المطامع الغربيّة.
وقد كانت نتيجة ذلك تحقيق الانتصارات الباهرة والقوية على الصّليبيّين، في معركة حطّين وطرد الصّليبيّين من أراضي المسلمين. فالوحدة الإسلاميّة هي طريق الانتصار ودرب التّحرير وهي التي تقوي الأمة ضد الأعداء وتدمير ما يريدون به تمزيق المسلمين.
إنّ الوحدة بين المسلمين هي نوع من أنواع التّكافل والتّضامن والتّعاون بين المسلمين الذين يجمعهم أمر مشترك بينهم. وهو الدّين الواحد والرّسالة الواحدة، فالمسلم لا يستطيع أن يقوم بمهام الحياة وأعبائها بمفرده. ولا يستطيع الاطلاع بدوره على خدمة الأمّة من غير، أن يضع يده في يد أخيه في تعاوناً تكاتفاً على البرّ والتقوى والخير والإحسان. فالوحدة الإسلاميّة، هي سبيل وطريق تحقيق المعاني الإنسانية العالية والقيم النّبيلة من رحمةٍ وتكافل ومؤاخاة وإحسان واطمئنان.
ان الوحدة العربية هنا ليست خيراً على العرب وحدهم، بل على كل من يساكنهم في أرضهم، ويشاركهم في مصيرهم، بعد أن كان هؤلاء شركاء أساسيين للعرب في تاريخهم وفي معاركهم ضد الغزاة (دور الأكراد في مقاومة الفرنجة، ودور الأمازيغ في مقاومة الاستعمار الغربي)، بل أن الوحدة العربية بارتكازها على منظومة التلازم بين العروبة والإسلام تصبح الإطار الأرحب للعرب، مسلمين وغير مسلمين، وللمسلمين عرباً وغير عرب، فتشكل وعاء تفاعل حضاري خلاق، عربي إسلامي، كما كان الحال على مدى قرون طويلة من الزمن.
بالقياس ذاته، توفر الوحدة العربية للأمة كلها قدرة على التواصل والتفاعل والتكامل مع دول جوارها الحضاري والاستراتيجي شرقا وشمالاً وجنوباً، لأن العرب في ظل كيان كبير قوي يصبحون أكثر تحرراً من هواجس ومخاوف من مشاريع توسعية لدول إقليمية مجاورة التي بدورها تصبح أقل انقياداً لإغراء السيطرة على بلاد العرب ومقدراتهم وهو إغراء يرافق أحياناً الإحساس بفائض القوة ضد أصحاب هذه المشاريع.