على مدى تاريخه الطويل دخل الإسلام فى مواجهات طاحنة مع الكفر والشرك بكل أنواعهما، وخرج من هذه المواجهات منتصرا، محافظا على نقاء عقيدته ووضوح رؤيته وسلامة بنيانه الدينى والاجتماعى، وفى العصر الحديث دخل أيضا فى مواجهات مع تيارات هدامة كالإلحاد والشيوعية والماسونية والعلمانية، ورغم ما أصاب بعض المسلمين من تضليل جعلهم ينساقون وراء هذه التيارات؛ إلا أن الإسلام ظل صامدا متماسكا فى أركانه وركائزه العقائدية والفكرية ومضمونه الاجتماعى.
واليوم يدخل الإسلام فى مواجهة مفتوحة مع تيار ” النسوية الراديكالية ” الذى يجتاح العالم، والذى أطلقته اتفاقية دولية سميت ” اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة ” وعرفت اختصارا باسم ” معاهدة سيداو “، واعتمدتها الجمعية العامة للأمم المتحدة عام 1979، وظلى غرسها ينمو ويتمدد حتى صار يحاصرنا بدعوات فجة، تستهدف هدم مؤسسة الأسرة واستقرار المجتمع.
وبمرور الزمن انتقلت ” سيداو” بملف حقوق المرأة من مرحلة المساواة مع الرجل، إلى الاستعلاء على الرجل، إلى الاستغناء عنه والتمركز الكامل حول الأنثى، باعتبارها كائنا مستقلا ضد الذكورة، وفى حالة صراع كونى وتاريخى مع الرجل، وصارت تتبنى تقديم قراءات جديدة للدين والثقافة واللغة والتاريخ تؤكد عداء الجنسين وصراعهما الأبدى.
وخلال السنوات الأخيرة انتشرت رياح ” سيداو ” المسمومة فى بلادنا انتشار النار فى الهشيم، وظهرت دعوات غريبة تدافع عن حرية المرأة فى أن تفعل ما تشاء، وتتحلل من أى التزامات، دون أدنى اعتبار لقواعد الدين، أو للتقاليد والعادات التى تحكم نظام المجتمع، وفى سبيل ذلك يتم تأويل النصوص الدينية تأويلا فاسدا، وفصلها عن سياقها، وتقديم تفسيرات ساذجة لهذه النصوص تنم عن جهل بأبسط قواعد الدين واللغة.
وبشيء يسير من البحث والتحرى نكتشف أن هذه الدعوات لا تطلق اعتباطا، ولا تظهر مصادفة، لكن وراءها ماكينة هائلة تعمل بدأب وإصرار لتحقيق أهداف محددة، تناقض ثوابت الإسلام، ويتم تجنيد عناصر معينة للترويج لها.
وقد قدم الداعية المعروف الدكتور محمد راتب النابلسى فى إحدى ندواته عرضا شيقا عن التناقض القائم بين مبادئ ” سيداو ” وثوابت الإسلام على النحو التالى :
ــ سيداو تقول ” المرأة مثل الرجل “، والقرآن يقول ” وليس الذكر كالأنثى “.
ــ سيداو تقول ” لا يسمح للرجل بالتعدد “، والقرآن يقول ” فانكحوا ما طاب لكم من النساء”.
ــ سيداو تقول ” الأولاد ينسبون لأمهاتهم، والقرآن يقول ” ادعوهم لآبائهم “.
ــ سيداو تقول ” لا يوجد عدة للمرأة “، والقرآن يقول ” والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء”.
ــ سيداو تقول ” لا ولاية للرجل على المرأة، ولا ولاية للأب على بناته”، والقرآن يقول : ” الرجال قوامون على النساء “.
ــ سيداو تقول ” الذكر والأنثى فى الميراث سواء “، والقرآن يقول ” للذكر مثل حظ الأنثيين “.
ــ سيداو تقول ” الرجل يمكنه الزواج برجل مثله والمرأة بمثلها “، والقرآن يقول ” أتأتون الذكران من العالمين “.
ــ سيداو تعطى المرأة حق الإجهاض، والقرآن يقول ” ولا تقتلوا أولادكم “.
ــ سيداو لاتجرم العلاقات الجنسية خارج إطار الزواج، والقرآن يقول ” ولا تقربوا الزنا إنه كان فاحشة وساء سبيلا “.
ــ سيداو تقول ” المرأة ترتبط بمن تشاء وتنفصل عمن تشاء وتعاود الارتباط بمن تشاء وقتما تشاء ” ، والقرآن يقول ” محصنات غير مسافحات ولا متخذات أخدان ” .
وبعد استعراض موائيق” سيداو” وفك شفرات المصطلحات المراوغة التى صيغت بها، سوف نتأكد أن هذه المعاهدة، التى يراد لها أن تكون دينا جديدا للبشرية، قد حددت مسارين لإنجاز استصال مؤسسة الأسرة من خلالهما :
ــ المسارالأول يعنى بصرف الشباب عن الزواج لمنع تكوين أسر جديدة، والتضييق على الزواج، وتشجيع الممارسات الجنسية خارج نطاق الأسرة، ورفع سن الطفولة وسن الزواج، وتحديد السن القانونية لاستقلال الفتاة بقرار ممارسة العلاقات الجنسية، والاعتراف بأبناء الزنى، وتعميم برامج الصحة الجنسية لكل الأعمار، ونشر التثقيف الجنسى للمراهقين، وتدريبهم على استخدام وسائل منع الحمل والعوازل، وتوفيرها بأسعار رمزية، وإباحة الإجهاض، وتقديمه كخدمة من خدمات تنظيم الأسرة، وإلغاءعقوباته، وإباحة الشذوذ كحق من حقوق الإنسان، واستخدام مصطلحات مطاطة لقبول الشواذ وإدماجهم فى المجتمع ( كالمثليين والجندر والتنوع والأشكال المتعددة لهياكل الأسرة )، وإعطائهم الحق فى تكوين أسر وحركات اجتماعية وسياسية، وإلغاء القوانين التى تعاقبهم، ومنحهم حق اللجوء السياسى.
ــ والمسار الثانى يتجه إلى هدم الأسر القائمة من خلال تغيير التشريعات الخاصة بالأدوار الفطرية للرجل والمرأة داخل الأسرة ( قوامة الرجل وأمومة المرأة )، والتشجيع على عدم الإنجاب، ووضع العلاقة بين الزوجين فى إطار تقاسم الأدوار والسلطات وإعادة توزيع الأعباء وتفاوض الندين، وإلغاء مفاهيم المودة والرحمة والسكن، وطاعة المرأة لزوجها وولي أمرها، فتغدو الأسرة كسفينة بقائدين يتنازعان السلطة، فيكونان معاول هدم لا أعمدة بناء.
وتكمن الخطورة هنا فى أن الأمم المتحدة وضعت هذه الموائيق تحت عناوين براقة مثل “حقوق الإنسان” و” القضاءعلى العنف ضد المرأة” و “الصحة الإنجابية” و”الوقاية من الإيدز” و”التنمية الحضرية” و”التنمية المستدامة”، وسعت إلى فرضها على الشعوب دون النظر إلى أية تحفظات تبديها الحكومات، ووفرت التمويل اللازم لترويجها، وأقحمت مجلس الأمن والقضاء الدولى فى متابعة ” الامتثال والمساءلة “عن تطبيقها، لتحقق الأحادية الحاكمة للعالم، فلا مجال للتعددية، ولا حق للشعوب فى الخصوصية وتقرير مصيرها الاجتماعى والتشريعى، ومن يرفض ” سيداو” يجرى شيطنته واتهامه بالتخلف والتطرف والإرهاب !!!