يعقد المؤتمر الخامس عشر للأطراف في اتفاقية التنوع البيولوجي بكندا في الفترة من 7 إلى 19 كانون الأول/ديسمبر. وسيشهد المؤتمر اعتماد إطار التنوع البيولوجي العالمي. ويوفر الإطار رؤية استراتيجية وخارطة طريق عالمية للحفظ والحماية والاستعادة والإدارة المستدامة للتنوع البيولوجي والنظم الإيكولوجية للعقد القادم.
ويعقد مؤتمر هذا العام في ظل وجود الكثير من القضايا التي يجب حلها فورا، ولا تزال الكثير من بنود الاتفاقية بحاجة إلى التفاوض من قبل ممثلي حوالي 190 دولة صدقوا على اتفاقية الأمم المتحدة للتنوع البيولوجي (CBD)، وهي المعاهدة الدولية التي تشكل أساس مفاوضات هذا الشهر. وتتركز الأهداف التفصيلية للقمة هذا العام على 22 موضوع للتفاوض بشأنهم بين الأطراف، أبرزها الحد من الأنواع الغريبة الغازية، واستخدام مبيدات الآفات، وتقليل هدر الطعام والنفايات البلاستيكية، وتقليل الحوافز الحكومية الضارة بالتنوع البيولوجي، وإعادة توجيه تلك الأموال إلى الأنشطة الإيجابية للطبيعة، وتمويل الطبيعة، وكيفية مساءلة الحكومات عن التزاماتها، والنهج القائمة على حقوق الإنسان التي تحترم وتحمي حقوق الشعوب الأصلية والمجتمعات المحلية وحق الجميع في العيش في بيئة صحية. لكن يظل الهدف الرئيسي للقمة هو تقنين التزام الدول بالحفاظ على 30 في المائة من أراضيها ومياهها بحلول عام 2030. هذا الهدف له اسم مختصر يعبر عنه لحد كبير: “30 في 30”.
“أرضنا ومياهنا وهوائنا مسمومة بالمواد الكيميائية والمبيدات الحشرية ومخنوقة بالبلاستيك. أدى إدماننا للوقود الأحفوري إلى جعل مناخنا في حالة من الفوضى – من موجات الحر وحرائق الغابات، إلى المجتمعات التي عطشت بسبب الحرارة والجفاف، أو التي غمرتها المياه ودمرت بسبب الفيضانات المرعبة”.
ثلاث خطوات عملية
وأوضح الأمين العام أن مؤتمر الأطراف الخامس عشر يمثل فرصتنا لوقف عربدة الدمار هذه، وللانتقال من الخلاف إلى الانسجام. وأشار إلى ثلاث إجراءات ملموسة في سبيل إبرام ميثاق سلام مع الطبيعة.
أولا، يجب على الحكومات وضع خطط عمل وطنية جريئة عبر جميع الوزارات، من المالية والغذاء إلى الطاقة والبنية التحتية. وإعداد خطط تعيد تقديم الإعانات والإعفاءات الضريبية بعيدا عن الأنشطة المدمرة للطبيعة نحو حلول خضراء مثل الطاقة المتجددة، والحد من البلاستيك، وإنتاج الغذاء الصديق للطبيعة، واستخراج الموارد المستدامة.
ثانيا، يجب على القطاع الخاص أن يدرك أن الربح والحماية ينبغي أن يسيرا جنبا إلى جنب. في اقتصاداتنا المعولمة، تعتمد الشركات والمستثمرون على هدايا الطبيعة من جميع أنحاء العالم. من مصلحتها وضع الحماية أولا. وهذا يعني أن الصناعة الغذائية والزراعية تتجه نحو الإنتاج المستدام والوسائل الطبيعية للتلقيح ومكافحة الآفات والتسميد. ويجب أن تكون الشركات والمستثمرون حلفاء للطبيعة وليسوا أعداء.
ثالثا، يجب على الدول المتقدمة أن تقدم دعما ماليا جريئا لبلدان الجنوب العالمي كحماة للثروة الطبيعية لعالمنا. لا يمكننا أن نتوقع من البلدان النامية أن تتحمل العبء بمفردها. يجب على المؤسسات المالية الدولية وبنوك التنمية متعددة الأطراف مواءمة محافظها مع حفظ التنوع البيولوجي واستخدامه المستدام. لقد أعطتنا هذه البيئات الطبيعية الكثير. حان الوقت لرد الجميل، وفقا للأمين العام.
محاولات إنقاذ مليون نوع من النباتات والحيوانات مهددة بالإنقراض
وتطرح القمة الدولية المنعقدة منذ 7 ديسمبر في مونتريال بكندا، سؤالا مهمًا: هل هناك أي شيء يمكننا القيام به لمنع انقراض ما يصل إلى مليون نوع من النباتات والحيوانات؟
وحذر الأمين العام من أن الإنتاج والاستهلاك غير المستدامين يؤديان إلى زيادة الانبعاثات بشكل كبير، مما يؤدي إلى تدهور أرضنا وبحرنا وجونا. واليوم تدهور ثلث مجموع الأراضي، مما يجعل من الصعب إطعام السكان المتزاي عددهم. النباتات والثدييات والطيور والزواحف والبرمائيات والأسماك واللافقاريات – كلها معرضة للخطر. مليون نوع يتأرجح على حافة هاوية (الانقراض). يؤدي تدهور المحيطات إلى تسريع تدمير الشعاب المرجانية التي تحافظ على الحياة والنظم الإيكولوجية البحرية الأخرى – ويؤثر بشكل مباشر على المجتمعات التي تعتمد على المحيطات في كسب عيشها.
أصبحت البشرية سلاحا للانقراض
وقال الأمين العام إن الشركات متعددة الجنسيات تملأ حساباتها المصرفية بينما تفرغ عالمنا من الهدايا الطبيعية، محذرا من أن النظم البيئية أصبحت مجرد أدوات من أجل الربح. مع شهيتنا التي لا حدود لها للنمو الاقتصادي غير المنضبط وغير المتكافئ، حذر الأمين العام من أن البشرية أصبحت سلاحا للانقراض الجماعي. ولفت الانتباه إلى أننا نتعامل مع الطبيعة مثل المرحاض، محذرا من أن فقدان الطبيعة والتنوع البيولوجي يأتي بتكلفة بشرية باهظة.
“تكلفة نقيسها في فقدان الوظائف والجوع والمرض والوفيات. تكلفة نقيسها بخسائر سنوية تقدر بثلاثة تريليونات دولار أمريكي بحلول عام 2030 من تدهور النظام البيئي. تكلفة نقيسها بارتفاع أسعار المياه والغذاء والطاقة. وهي تكلفة نقيسها في الخسائر الجائرة للغاية والمتعددة التي تتكبدها أفقر البلدان والسكان الأصليون والنساء والشباب”. ونبّه الأمين العام إلى أن الأشخاص الأقل مسؤولية عن هذا التدمير هم دائما أول من يتضرر من هذه التأثيرات.
لا يمكننا أن نحمل الأجيال القادمة مسؤولية أفعالنا
وقال السيد أنطونيو غوتيريش إن أهم درس ننقله للأطفال هو تحمل المسؤولية عن أفعالهم. ثم تساءل قائلا: “ما هي القدوة التي نضعها (لأطفالنا) عندما نفشل نحن أنفسنا في هذا الاختبار الأساسي؟” وقال إنه يستلهم دائما من نشطاء البيئة الشباب حول العالم الذين يدعون إلى التغيير والعمل، لكنه قال إنه يدرك جيدا أنه لا يمكننا تحميلهم مسؤولية تنظيف الفوضى التي نسببها، مشيرا إلى أن الأمر متروك لنا لتحمل المسؤولية عن الضرر الذي تسببنا فيه واتخاذ الإجراءات اللازمة لإصلاحه. وبغض النظر عن الأحلام المضللة لأصحاب المليارات، قال الأمين العام إنه لا يوجد كوكب بديل: “يجب أن نصلح العالم الذي نعيش فيه. يجب أن نعتز بهذه الهدية الرائعة. يجب أن نصنع السلام مع الطبيعة. كثفوا العمل من أجل الطبيعة. كثفوا العمل من أجل التنوع البيولوجي. كثفوا العمل من أجل الإنسانية”.
تغير المناخ والتنوع البيولوجي
تأتي قمة التنوع البيولوجي في أعقاب مؤتمر المناخ للأمم المتحدة في مصر حيث اتفقت الدول الغنية على إنشاء صندوق لمساعدة الدول النامية التي تتعامل مع ظاهرة الاحتباس الحراري. في حين أن مؤتمر التنوع البيولوجي لم يحظ بنفس النوع من الاهتمام الذي حظى به COP27، يعتقد العديد من خبراء الحياة البرية والمناخ أنه المؤتمر الأكثر أهمية بين الاثنين. ويرتبط تغير المناخ ارتباطًا وثيقًا بالانقراض. يهدد ارتفاع درجات الحرارة بتقلب موائل كل شيء من طيور البطريق في أنتاركتيكا إلى الطيور المغردة الاستوائية. يمكن للحياة البرية أن تزدهر فقط من خلال حماية مساحات شاسعة من الغابات والنظم البيئية الأخرى.
كما أن ارتباط المناخ بالتنوع البيولوجي يعمل في كلا الاتجاهين، يمكن أن تؤدي الفيضانات والجفاف والطقس المتطرف الآخر الناجم عن تغير المناخ إلى القضاء على النظم البيئية، كما يمكن أن تحول مواقع تخزين الكربون إلى مصادر لانبعاثات الكربون. ويتسبب تدمير أراضي الخث، على سبيل المثال، في حوالي 5 ٪ من الانبعاثات العالمية.
بقلم: ا.د/ عاطف محمد كامل أحمد- مؤسس كلية الطب البيطرى جامعة عين شمس ووكيل الكلية لشئون خدمة المجتمع وتنمية البيئة والمشرف على تأسيس قسم الحياة البرية وحدائق الحيوان استاذ – عضو اللجنة العلمية لإتفاقية سايتس- وخبير الحياة البرية والمحميات الطبيعية اليونسكو وبرنامج الأمم المتحدة للتنمية وخبير البيئة والتغيرات المناخية بوزارة البيئة- الأمين العام المساعد للحياة البرية بالإتحاد العربى لحماية الحياة البرية والبحرية- جامعة الدول العربية ورئيس لجنة البيئة بالرابطة المغربية المصرية للصداقة بين شعوب العالم