اعترف بأن هناك أسباباً عديدة تجعلنى أشعر بالغيرة الشديدة من صديقى محمود سالم مدير تحرير أخبار اليوم والمحرر الاقتصادى المرموق.
كما اعترف أننى حاولت كثيراً أن أقلد محمود فى تلك الأشياء التى أغار منه بسببها لكنى فشلت فشلاً ذريعاً.
عرفت محمود منذ أن بدأت أولى خطواتى فى التحرير الاقتصادى، كان مع مجموعة من الأصدقاء الأعزاء بمثابة القدوة والمثل الأعلى لى ولكل زملائى الذين تقل أعمارهم عن أعمار محمود و ندمائه ببضع سنوات قليلة فى العمر الزمنى لكنها كبيرة جداً فى الخبرة والمعرفة والصحافة والأهم الأخلاق.
كان محمود ولا يزال واحداً من هؤلاء النجوم الكبار فى الصحافة عموما وفى التحرير الاقتصادى على وجه الخصوص ..
كنت وما زلت استمتع لو حضرت مؤتمراً اقتصادياً وكان أحد هؤلاء موجوداً فيه.مجرد مشاهدتهم وهم ينصتون أو يعلقون أو يسألون كانت تضيف لخبراتى وفهمى لمعنى أن تكون محرراً اقتصادياً. بل معنى أن تكون انساناً.
كنت وما زلت أغار من محمود سالم وهو يمسك بالورقة والقلم يكتب كل شاردة أو واردة فى المؤتمر. وكنت أداعبه قائلاً لماذا تتعب نفسك يا استاذ وتكتب كل حرف مع أنك تدرك أننى سوف احرق عليك الشغل؟!.
حرق الشغل تعبير صحفي، وسبب كلامى طبعاً انى أعمل فى جريدة الأخبار اليومية بينما هو فى أخبار اليوم الأسبوعى.هذا يعنى أننى سأنشر فى صبيحة اليوم التالى كل تفاصيل المؤتمر بينما أخبار اليوم تصدر كل سبت ولن يجد محمود شيئاً لينشره.فيضحك محمود ويقول لي:إيش فهمك انت يا صعيدى فى الكتابة ولا فى الصحافة أصلاً؟!.
ثم يصدر عدد أخبار اليوم السبت فإذا بمحمود قد كتب موضوعا عن المؤتمر تندهش عند قراءته من هذه العقلية المتميزة، واسأل نفسي: لقد كنت حاضراً نفس المؤتمر فلماذا لم تكتب مثلما كتب محمود.إنه التميز فى التغطية والعرض والتحليل.نفس التميز الذى جعل محمود سالم متربعاً على مانشيت أخبار اليوم كل سبت بانفرادات صحفية كبيرة من مجلس الوزراء الذى كان يغطيه تاركا الدهشة لكل الزملاء الذين يغطون أخبار نفس المصدر.
كان محمود يذهب لمجلس الوزراء كل جمعة وهو متأكد أنه لا يوجد مجلس ولا وزراء ومع ذلك يعود منه بمانشيت متميز جعل حتى رؤساء الوزراء أنفسهم يندهشون من قدرته على توليد تلك المانشيتات التى جعلته دائما مرموقا بين أقرانه. داعبه عاطف صدقى رئيس الوزراء الراحل مرة قائلاً له:هو انت بتعرف لغة الحيطان عشان كده بتيجى الجمعة تاخد منها المانشيتات المهمة دى؟.
أغار جدا من قلب محمود الذى لا يزال طفلاً بريئاً، يتحمس لكل شيء حماسة طفل تلمع عيناه فرحاً إذا سمع خبراً مفرحاً ويحزن بشدة لو عرف أن صديقاً له يتألم. أغار من إقباله على الشغل حتى اليوم بنفس حماس صحفى تحت التمرين يريد اثبات نفسه.
فهو أول من يحضر مكان المؤتمر وآخر من يغادر. حتى فى السفر يكون بسبب فرط حماسه أول من يحضر للمطار فأقول له مداعباً: إنت وصلت المطار قبل الطيار اللى هيسوق الطيارة، أغار من زملكاوية محمود التى تحتاج أن تسجل فى التاريخ عن هذا الطفل الزملكاوى الذى لا يرضى عن الفوز بديلاً.
تخيل طفلاً بهذه المشاعر يشاء القدر أن يشاهد مباراة القمة الأخيرة وهو على سرير المستشفى منتظرا إجراء عملية مهمة، ثم يشاهد بعدها مباراة الزمالك والمحلة!!..
تخلصنا كلنا من زملكاويتنا المتعصبة واكتفينا بالمتابعة من بعيد وبقى محمود على حاله. زرته منذ يومين بصحبة صديقنا المشترك أشرف الليثى فوجدناه على نفس حالة الصخب والجلبة التى يحدثها الأطفال فى حلهم وترحالهم. فما بالك وهذا الطفل ينتظر موعدا مع غرفة العمليات؟.
كل الدعاء لك يا صديقى الجميل أن تتغلب كعادتك على أى أزمة تواجهك وأن تعود لنا ولمحبيك بالصحة والسلامة وأن تفرح بأسرتك وأحفادك وأن تشهد فوز الزمالك بالدورى والكأس أيضاً وكأس العالم للأندية سنوات طويلة.ولو كنت تحبنا كما نحبك فقم يارجل من رقدتك وكفاك دلعاً أيها الطفل المشاغب!.