تلقيت الكثير من الرسائل الغاضبة إزاء الأخطاء الواردة فى كتاب الدكتور حسن حنفى ( التفسير الموضوعى للقرآن الكريم)، وهى أخطاء صارخة ـ كما أوضحت فى مقال الأسبوع الماضى ـ لايقع فيها باحث مغمور، ولا طالب علم صغير، بل لم يقع فيها أغلب المستشرقين الذين ليست العربية لغتهم، لكنهم حين شرعوا فى دراسة القرآن أخذوا أنفسهم بالجدية الواجبة التى يتطلبها العلم بالشيء قبل الخوض فيه، ولم يستهينوا بدراسة القرآن كما استهان الدكتور حنفى وهو يتصدى للتفسير، فكثرت سقطاته.
من قرأوا مقال الأسبوع الماضى شاركونى صدمتى وانزعاجى مما تضمنه كتاب الدكتور حسن حنفى من تأويل فاسد لبعض الآيات، وتفسير متناقض لبعض المفردات، وفهم مغلوط لبعض السياقات القرآنية، وتحميل الآيات بدلالات متعسفة لاتحتملها، رغم أننى اكتفيت فقط بعرض الأخطاء اللغوية، وركزت على الأغلاط المتعلقة بطريقة قراءته للقرآن وفهم معانيه، وتجنبت الخوض فى الأغلاط العقدية والمنهجية، وأشدها خطرا اعتماد الدكتور على الأمثال العامية والأغانى الشعبية فى التفسير، طبقا لما أقر به، وكذلك أسئلة التشكيك التى تتردد كثيرا فى صفحات الكتاب.
لم تتوقف الرسائل الغاضبة عند الصدمة من جرأة الدكتور حنفى على خوض غمار التفسير وهو غير مؤهل له، وإنما تجاوزت ذلك إلى طرح العديد من الأسئلة حول مصير هذا الكتاب الضخم ( 1089 صفحة) ذى العنوان الفخم ( التفسير الموضوعى للقرآن الكريم)، هل سيترك هكذا متاحا للعام والخاص، حتى يصبح تراثا يحتج به أدعياء التنوير ويخلعون عليه شيئا من القداسة، فيتحول فى زمن ما إلى ” تلمود تنويرى” مثل ” الشعر الجاهلى” لطه حسين، و ” الإسلام وأصول الحكم ” لعلى عبد الرازق، و ” من هنا نبدأ ، لخالد محمد خالد، وغيرها من الكتب التى تراجع أصحابها عما فيها، لكن التنويريين والشيوعيين وأمثالهم مازالوا مصرين على تقديسها؟
يقول الصديق الدكتور محمود الشنديدى خبير التراث باليونسكو: “إذا كان هناك إجماع ممن ناقشوا الكتاب على وجود هذا الكم الهائل من الأخطاء، بالإضافة إلى اعتراف د. حسن حنفى نفسه بأن بضاعته قليلة فى العلوم التى تؤهل للخوض فى تفسير القرآن الكريم، فلماذا لم يتقدم أحد من العلماء الذين درسوا الكتاب ونقدوه علميا بطلب للأزهر الشريف لمراجعته، واتخاذ القرار المناسب بشأنه، حماية لكتاب الله من التفسيرات المضللة؟”
ويضيف: “السبب فى سؤالى هو الاحتياط من استشهاد المغرضين والعلمانيين بهذا الذى كتبه د. حسن حنفى على أنه تفسير فيزدادون ضلالا وجهلا، أو تتطوع إحدى الجهات لترجمته إلى لغة أجنبية فتتسبب فى تضليل المسلمين من غير العرب، هل يمكن تدارك هذا الأمر بسرعة، بطلب إلى الأزهر لمراجعة ماسماه د.حسن حنفى ( التفسير الموضوعى للقرآن الكريم ) قبل أن يستفحل خطره؟”
أعرف جيدا أن الأزهر ليس مختصا بالرقابة على الأفكار، ولا أود له أن يكون كذلك، لكنه وبحكم الدستور هو المرجعية العلمية لكل ما له علاقة بالدين الإسلامى، وهو لا يقوم بهذا الدور إلا من خلال ما يصله من إنتاج عقلى، لذلك فإننى أناشد الأساتذة الأفاضل الذين قدموا دراسات عن كتاب الدكتور حسن حنفى فى جلسة المناقشة التى حضرها بنفسه فى مقر الجمعية الفلسفية يوم الأحد 8 / 11 / 2020 وحضرناها معه، أن يقدموا دراساتهم مع نسخة من الكتاب إلى مجمع البحوث الإسلامية بالأزهر، وهو الجهة المختصة بهذا الأمر، ليرى فيها رأيه العلمى ويأخذ قراره.
وأخص بالذكر هنا كلا من : د.محمد صالحين أستاذ الفلسفة بجامعة المنيا، ود. خالد فهمى أستاذ اللغة العربية بجامعة المنوفية، ود.إبراهيم عوض أستاذ النقد الأدبى بجامعة عين شمس، ود. وجيه محمود أحمد أستاذ الدراسات الإسلامية بكلية الآداب جامعة المنيا، ود.عرفات عثمان الأستاذ بكلية القرآن الكريم جامعة الأزهر فرع طنطا، وكلهم أهل علم وأهل ثقة، ولديهم من الغيرة على دينهم وقرآنهم مايدفعهم إلى تقديم شهاداتهم احتسابا لوجه الله.
إن د.حسن حنفى ـ رحمه الله ـ لم يكن شخصا عاديا يمكن تجاهله، لكنه مفكر واسع الانتشار فى الداخل والخارج، وله مدرسة ومريدون، ودارت حول إنتاجه الفكرى دراسات عديدة، لذلك لاحرج فى أن يخضع تراثه الفكرى للتقييم والمراجعة من أهل الاختصاص، وقد كان هو من أكثر الدعاة إلى مراجعة التراث، بل كان يدعو إلى تغييره، حتى وإن كان هذا التراث عنده بمعنى القرآن والسنة !!
وعلى سبيل المثال، فى كتابه ” من النقل إلى العقل ” جمع الدكتور حنفى الأحاديث النبوية ثم أخذ يفككها واحدا واحدا بكثير من الاستهتار والمراوغة الأسلوبية المعروفة عنه، وبعد أن سخر من معجزات النبي والحوادث التي ذكرتها الأحاديث لأن عقله لم يهضمها، يقول دون تردد : ” والواقع أن المراجعة ممكنة، فالواقع يتغير، والعبادات أيضا تتغير.”
كما سخر من الدعاء وقال إنه “حيلة العاجز”، وسخر من التسبيح، ثم قال بالحرف: ” ويأتي التعويض في صورة الإيمان بالإله الواحد القهار الذي يسند الجميع ولا يخذل أحدا “، إلى أن يقول ” يقبض الله الأرض ويطوي السماء بيمينه ويقول إنه الملك، فأين ملوك الأرض، فالله هو ملك الملوك الملك الديان، وتلك قمة التعويض، القوة كلها مركزة في قمة واحدة، كل شيء بيده، والأرض يوم القيامة خبزة واحدة يتكفأها الجبار بيد كما يكفأ المسافر خبزته.”