القراءة الرشيدة عنوان عبقري يعبر ببراعة عن الجدوى المفترضة من نعمة القراءة وهي أن تكون رشيدة أي واعية..مكونة للشخصية والكتاب محاولة مجهولة من مبدع محب للوطن أراد أن يساهم بفعالية في التنوير ومحو الأمية .
هذا المقال تحية لمواطن مجهول وتقدير لكتاب صغير الحجم بالغ التأثير.
** قاعدة كبيرة من الذين اقتحموا آفة الأمية.. بدأوا رحلتهم مع حروف الابجدية بفك طلاسمها.. واكتشاف أقرب شكل لكل حرف من أدواتها.. فى حياتهم اليومية.. عن طريق كتاب صغير.. كانت تنشره إحدى دور النشر بالفجالة.. فيما أتذكر وأعنى به «القراءة الرشيدة» يتصدر الغلاف ولد وبنت يمسكان بالقلم يطلعان كراسة الحروف.. وبداخل صفحاته التى لا تتجاوز ملزمتين من الورق.. رسم للحرف.. يتكرر بالنسبة لحرف تتغير رسمته حسب موقعه فى الكلمة.. (أول .. أو وسط.. أو آخرها).. ومع كل حرف رسم لحيوان أو نبات أو جماد من البيئة المحيطة يساعد الراغب فى التعلم على النطق السليم.. مثل ألف أرنب.. باء بطة.. ثاء ثور.. أو ثعبان .. إلــخ.
** هذا الكتاب الذى حمله الفنان الراحل عبدالفتاح القصرى فى فيلم «الاستاذة فاطمة».. عندما كان يمثل دور والد السيدة فاتن حمامة.. التى تخرجت فى كلية الحقوق وأراد أن تكون هديته لها.. الخروج من سجن الأمية.. فاشترى كتاب «القراءة الرشيدة».. ليعلم نفسه بنفسه القراءة.. ولكن الأفيه.. يحكم فى حرف الثاء.. قال ألف أرنب.. باء بطة.. ثاء حنش بدلاً من ثعبان الواردة أمام الحرف..
**«القراءة الرشيدة».. ظلت صلاحيته ممتدة منذ طرحه مؤلفه المجهول إلى دار النشر من عشرات الأعوام حتى كتابة هذه السطور.. ومعه الكتاب الشقيق «مباديء الحساب» بنفس المواصفات التربوية التى نستطيع أن نمنحه من خلالها مرتبة «التوأم».
**صحيح أنه لم يعد يدرس بالمدارس الالزامية.. واختفت الكتاتيب التى كان سيدنا ينصح أولياء الأمور بشراء «القراءة الرشيدة».. لتدريب الصغار والاسراع بدخولهم عالم «فك الخط الرحيب إلا أننى وآخرون لمحناه بالتأكيد يباع فى جنبات المترو واتوبيسات النقل العام ينادى الباعة على الكتابين معا.. «القراءة الرشيدة» ومبادئ الحساب.. ببورصة أسعار تصاعدت خلال السنوات من خمسة قروش إلى ٥ جنيهات..
ومازلت أرجح أن لـ«القراءة الرشيدة» زبائن من الركاب كبار السن الذين أخذتهم أضواء المدينة من الريف الجميل.. واكتشفوا أن الحيطة تتطلب فك الخط.. حتى لا يقعون ضحية لنصب.. أو فى مأزق بسبب الجهل فهم يدركون فى داخلهم أن العلم نور.. يبدأ بمحو الأمية.. ليفتح سمسم بعدها أبواب وآفاق للوعى والمعرفة.. يحتاجونها فى حياتهم.. وتساعدهم فى التعامل والاطمئنان على أحوال أبنائهم.. الحريصين بالطبع على إلحاقهم بالمدارس والجامعات.
** كتاب «القراءة الرشيدة».. سيظل حيا يقاوم وينتظر الزبائن.. صامدا أمام الوسائل التى وفرتها التكنولوجيا والعالم الافتراضي.. طالما نسبة الأمية فى أرتفاع وجهود التصدى لها تتكسر على صخرة التنسيق والامكانيات.. وسيظل من يهمهم الأمر يبحثون عن منافذ لتوزيعه.. خاصة وهم يقدمون بضاعة جيدة.. ومسمار فى البنيان الثقافي.. لا ينكر ضرورته أحد..
**وبالفعل مازال «القراءة الرشيدة».. وشقيقه يعرضان فى مكتبات الاحياء الشعبية.. يتصدران أحيانا الكتب الخارجية لشرح المناهج الدراسية.. وهى المطبوعات التى لم يؤثر على انتشارها النشر الالكترونى أو مراكز الدروس الخصوصية.
** علينا نحن أبناء الجيل القديم.. (ان نجدد الشكر لـ«القراءة الرشيدة»).. درسنا الأول لتعليم السباحة فى بحور العلم والثقافة.. وان كنت اتمنى لو تفضل أحد علماء لغة الضاد.. أو حتى مجمع الخالدين.. بفحص محتويات «القراءة الرشيدة».. لتجديدها والتوسع فى مدلولات الحروف.. وما تفتحه من آفاق لحقائق مثيرة.. وحكم رصينة.. وحب متزايد للغتنا الجميلة.
*صالح إبراهيم *