دلالات عديدة واشارات كثيرة مهمة لا يمكن ان تخطؤها عين مراقب حصيف حملتها الزيارة الاولى للسلطان هيثم بن طارق سلطان عمان للقاهرة منذ تولى عرش السلطنة في يناير من العام ..2020
توقيت الزيارة ومقصدها يحمل الكثير من المعاني والدلالات والتى تؤكد اننا امام مرحلة جديدة وتوجهات جادة نحو مستقبل يتطلع اليه الجميع يضمن الامن والاستقرار ويحقق الرخاء والسلام والامن لشعوب المنطقة ويؤكد الثوابت العربية الضامنة للارتقاء والمحققة للامال المعززة للتضامن والوحدة التى يحلم بها كل عربي..
ولعل الرسالة الاكثر اهمية ان يكون اول تحرك نحو تعزيز التعاون المشترك بين الاشقاء في اعقاب القمة العربية وبعد يوم واحد من انتهاء اعمالها في جدة.. تحرك ينطلق بروح مصرية عمانية ومن على ارض مصر الكنانة ويحمل الكثير من المبشرات والامال في حقبة جديدة تحمل الخير للجميع..
يؤكد هذا المنهج الهادئ والتوجه العقلاني الذي تتمتع به الدبلوماسية المصرية والعمانية واعتمدت عليه البلدين ورسخته سبيلا واضحا في مواجهة العواصف التى تتعرض لها المنطقة بل والعالم اجمع.. ولا يمكن ان ينكر اي منصف تلك الادوار التى لعبتها القاهرة ومسقط معا او فرادى في مواجهة الازمات المشتعلة عربيا وخليجيا واقليميا ايضا وكانا بمثابة رجل الاطفاء عندما تدلهم الخطوب وحققت تلك الدبلوماسية الهادئة اهدافها في نزع فتائل التوتر وجمع الاطراف المتصارعة او المتنافسة على مائدة الحوار والتفاوض .. وهو الاسلوب الامثل لفض النزاعات في اي مكان فما بالك اذا كان بين الاشقاء والجيران ..
الطموحات والامال التى عبر عنها قادة البلدين الرئيس السيسي والسلطان طارق بداية لطريق طويل جاد ومأمول ونموذج يمكن ان تقتفي اثره البلدان الشقيقة في تطوير علاقاتها سواء الثنائية او الاقليمية لما فيه من تاكيد على العديد من القيم مثل احترام الشئون الداخلية للدول وعدم التدخل فيها وفتح ابواب التعاون في مختلف المجالات بما يحقق المصالح المتبادلة لكل الشعوب وليس لطرف على حساب طرف .. وغير ذلك من اسس عكستها وعبرت عنها البيانات المشتركة واكدتها بقوة اتفاقات التعاون الموقعة بين البلدين في المجالات المختلفة..
كان واضحا ان الطرفين العماني والمصري امامهما هدف وخطة محددة عبر عنها البلدان في خطة 2030 المصرية و2040 العمانية ..الهدف تعزيز التعاون الاقتصادي والتنسيق بين البلدين للوصول الى الهدف المشترك الذي يخدم مصالح كل الأطراف ورفع مستوى التعاون الاقتصادي والشراكة بما يناسب حجم العلاقات التاريخية وعمقها على مر السنين ..
تصريحات وكلمات الرئيس عبدالفتاح السيسي عكست هذا التوجه بقوة حيث أشاد بالعلاقات الودية التاريخية التي تربط بين مصر وسلطنة عمان والتي تشكلت عبر عقود ممتدة من التضامن والتكاتف والوقوف صفًا واحدًا ضد الأزمات والتحديات كما قال خلال استقباله السلطان هيثم بن طارق وشدد على حرص مصر الارتقاء بتلك العلاقات المتميزة بما يحقق مصالح الشعبين والأمة العربية بأسرها.
والامر الذي أكده ايضا المتحدث الرسمي باسم رئاسة الجمهورية المستشار أحمد فهمي عبر الصفحة الرسمية للرئاسة على موقع فيسبوك قال ان الرئيس السيسي أعرب للسلطان عن أطيب التمنيات بالتوفيق لاستكمال مسيرة التنمية الشاملة والنجاح في تحقيق رؤية “عمان 2040”.
الجانب العماني سارع الى التأكيد على المنهج نفسه والتوجه ذاته وعبر عنه سفير السلطنة ومندوبها الدائم لدى جامعة الدول العربية عبد الله الرحبي بالقول الصريح ان تعظيم حجم الاستثمارات بين البلدين يأتى فى مقدمة أولويتنا وذلك في إطار رؤية مصر 2030 ورؤية عُمان 2040 ، وبما يرقى لحجم العلاقات السياسية والدبلوماسية ويصب في صالح الشعبين. منوها الى انه خلال العامين الماضيين كانت هناك الكثير من الوفود العمانية الاقتصادية التي زارت مصر للاطلاع على الفرص الاستثمارية وان نبذل جهودا كبيرة تبذل لإطلاع المستثمرين العُمانيين على الفرص الاستثمارية فى مصر ونتوقع انطلاقة جديدة للتعاون الاقتصادى بين مصر وعُمان.
وتعزيزا لهذا التوجه وتاكيدا عليه تم عقد ملتقى اقتصادي جمع وزيري المالية والتجارة والصناعة ورئيس جهاز الاستثمار العماني مع عدد من كبار المستثمرين ورجال الأعمال المصريين، وطرح خلاله فرص التعاون المتاحة في مختلف الأنشطة الاقتصادية في البلدين.
كان واضحا وبجلاء عمق المخزون التاريخي والحضاري بين مصر وسلطنة عمان سواء ما بدا واضحا في الكلمات الرسمية والاهداف والمقاصد المعلنة والمرحبة بتدعيم التعاون والشراكة الاقتصادية والثقافية وغيرها ولعل تشكيلة الوفد الكبير المصاحب لجلالة السلطان والروح التى عمل بها كانت تاكيدا لذلك ..
كذلك الحفاوة والترحيب الكبير بالسطان ورفاقه والزيارات التى قام بها للعديد من المعالم في الجمهورية الجديدة..
كانت لفتة رائعة تلك الزيارة التى قام بها السلطان هيثم الى مدينة الفنون والثقافة في العاصمة الادارية وتوقفه في دار الاوبرا المصرية..
اشارة مهمة وتأكيد على اهمية القوة الناعمة ودورها على كافة المستويات الرسمية والشعبية والدبلوماسية .. زيارة السلطان للمدينة الثقافية ودار الاوبرا تدشين مهم لدور ومكانة الفنون الراقية ووضعها على الخريطة ليس فقط الثقافية والسياحية بل والدبلوماسية لتضاف الى قائمة التراث القديم والحديث والمعاصر الذي يعكس الروح والاصالة المصرية ويؤكد على معالم واركان الهوية المصرية الثرية في مختلف مناحي الحياة ..
ذكرتني صور السلطان وهو يتجول في المبنى الفخم لدار الاوبرا وهو يستمع بانصات ويتابع بانبهار المستوى الفني الراقي الرائع للمبني وما يشاهد امامه من ابداع وجمال فني.
ودار الأوبرا أكبر دار أوبرا في الشرق الأوسط واحد ابرز المعالم الحضارية في العاصمة الإدارية الجديدة تضم قاعة رئيسية تصل سعتها ٣٥٠٠ فرد مقامة وفقاً لأحدث التقنيات الهندسية من إضاءات تخصصية وأنظمة صوتية إلى جانب مسرحاً ومسرحا للدراما والأداء الحركي وصممت وفقا لأعلى المواصفات العالمية وأرقى التصميمات المعمارية
وهي بمثابة منارة للإبداع الفني والفكري والثقافي للمنطقة اقيمت على مساحة حوالي 127 فدانا وتضم مجموعة متكاملة من المسارح وقاعات العرض المتنوعة وتحتوي على صالات السينما والأوركسترا الموسيقية وبيت العود ومكتبات كما تتضمن متحف العاصمة ومتحف الفن
وتحتوي على معارض فنية لكافة أنواع الفنون من الرسم والنحت والمشغولات اليدوية وملحق بها مسرح مفتوح يسع لحوالي 20 ألف متفرج وتضم غابة شجرية ومسجدا يسع لقرابة 600 مصلٍ الى جانب عدد من المباني الخدمية المتنوعة وتضم دار الأوبرا مسرحا للموسيقى يصل سعته إلى ١٣٠٠ فرد وتحتوي أيضا على مسرح للدراما يتسع لـ 700 فرد الى جانب مركز الإبداع الفني ومتحف الشمع.
ذكرتني المشاهد الفنية الرائعة في العاصمة الإدارية بدار الاوبرا السلطانية وهي واحدة من اهم واشهر المعالم والمقاصد الثقافية السياحية في مسقط ..فهي أول دار أوبرا في منطقة الخليج العربي وفي الجزيرة العربية أمر السلطان قابوس ببنائها عام 2001م.بدأت الأعمال الإنشائية للمبنى عام 2007م وانتهت في 12 أكتوبر 2011م. شيدت على مساحة شاسعة تبلغ ثمانين ألف متر مربع وتبلغ المساحة المبنية ما يربو على خمسة وعشرين ألف متر مربع.
فقد حظيت بزيارة دار الاوبرا السلطانية منذ عدة سنوات وهي مقصد لكل زائري السلطنة ومحطة زيارة مهمة لكل الضيوف تفخر بها السلطنة امام كل زائريها.. وتحظى باهتمام اعلامي كبير اذ تلعب دورا مهما في الحركة الفنية والارتقاء بالذائقة الفنية من خلال عروضها الممتدة بشكل شبه يومي واستضافتها لكبار الفانيين والموسيقيين من مصر والعالم في برنامجها الطموح والمميز.. ولها أوركسترا خاص بها يشارك في الحفلات ويقدم الكثير من العروض سواء داخل السلطنة وخارجها وللاوكسترا العماني شهرة كبيرة ومميزة ويشارك به عدد كبير من النساء العمانيات عازفة ومؤدية بارعة ..
ولا اخفيكم انني من محبي مشاهدة فقرات الاوكسترا وما يقدمة سوناتات يفسح لها التلفزيون العماني مساحة جيدة ترضي محبي سماع الموسيقى الكلاسيكية وغيرها..
تجربة ونموذج مهم في المنطقة وليس دول الخليج فقط يستحق الدراسة والتأمل خاصة لمن يهتمون بالقوى الناعمة ودورها وتأثيرها في حياة الشعوب وفي العلاقات الدولية عامة
دار الاوبرا السلطانية بحق تحفة معمارية رائعة يبهرك جمال ودقة التصميم المعماري الذي جمع خليطا من فنون التراث العربي والإسلامي في تناغم جميل ويغلب عليها اللون الأحمر أيضا كما في الاوبرا المصرية بما يعطي قدرا من الفخامة المغلفة بقوة الأحمر المركز ولعله اختيار فني مقصود لاهداف أخرى يمكن ان يجيب عنها خبراء تلك الفنون المتعاضدة المتعاظمة من اجل المتعة الفنية والبصرية للإنسان من مختلف الاجناس والطبقات ..
تتكون من 8 طوابق تقع 3 منها تحت الأرض و5 فوقها ويمتد مبنى الأوبرا من شمال الموقع إلى جنوبه ويقطع المبنى رواقان من الأعمدة يمتدان على جانبيه الشرقي والغربي ويتناغم فيها التراث المعماري العماني والعربي والإسلامي في عهود مختلفة.
وهي مبنى متعدد الاستعمالات يمكن أن يستضيف فعاليات مختلفه كحفلات الأوبرا والحفلات الموسيقية والمسرحيات بالإضافة إلى المؤتمرات والعديد من الملتقيات الثقافية والفنية التي تعكس العمارة العُمانية المعاصرة وتستوعب 1100 شخص كحد أقصى. يتكون مجمع دار الأوبرا من مسرح الحفل وقاعة وحدائق رسمية والسوق الثقافية مع التجزئة والمطاعم الفاخرة ومركز الفن للإنتاج الموسيقية والمسرحية والأوبرالية.
وتعتبر أول دار اوبرا تستخدم تقنيات عرض الوسائط المتعددة عن طريق شاشات تفاعلية في المقاعد.وتستخدام احدث تقنيات الصوت والإضاءة في المسرح الكبير للدار.
واراد العمانيون استخدام الاوبرا منطلقا أيضا لدعم النشاط السياحي والتسوق فانشأوا سوقا حديثة على شكل رواق يتاخم مبنى دار الأوبرا ويضم بين جنباته خمسون محلاً تجاريا تتعدد أنشطتها وتتنوع مجالاتها التسويقية بين المجوهرات بمختلف أنواعها ومحلات العطور والأزياء والتجميل والتحف والهدايا وأنواع مختلفة من اللوحات الفنية والتذكارات.
كما يحتوى السوق على عدد من المطاعم المحلية والعالمية..وعدد من فروع البنوك المُختلفة لسهولة التعامل مع الخدمات المصرفية والبنكية كما يوجد محلات بيع التمور.
العلاقات المصرية العمانية نموذج على طريق العمل العربي الشاق وللطامحين في الخروج من المآزق التي مر بها التعاون العربي على كافة الأصعدة ونموذج للرغبة الصادقة والجادة في مواجهة التحديات الإقليمية والعالمية..
والله المستعان ..
megahedkh@hotmail.com