على رغم تعهد المجتمع الدولي مواصلة مساعيه مع الشركاء في المنطقة لفرض هدنة بالسودان أثناء الحرب بين الجيش وقوات “الدعم السريع”، فإنها لم تستمر للمدة المفروضة منذ بدايتها في 15 أبريل (نيسان) الماضي، كما أنه لم يتعهد إنهاء الحرب بشكل دائم، وتمددت إلى إقليمي دارفور وكردفان، مما يضع كيفية تعامل المجتمع الدولي مع الأزمة السودانية أمام تساؤل ملح. ومع ما يقارب ثلاثة أشهر تحت دوي المدافع والقصف الممنهج كان السودانيون يأملون خلال الهدن البسيطة في أن تتوفر الدافعية اللازمة لتحقيق المبادرات الدولية على الأرض، .ولكن كان التصعيد العسكري سيد الموقف عبر الطيران والمدفعية الثقيلة. وكان قائد الجيش رئيس مجلس السيادة الفريق عبدالفتاح البرهان قد أعلن أن “القوات المسلحة لم تستخدم بعد كامل قوتها المميتة، لكنها ستضطر إلى ذلك إذا لم ينصع العدو أو يستجب لصوت العقل”. المجتمع الإقليمي والدولي منذ البداية كان منتبهاً لخطورة الصراع في الخرطوم، بل يمكن القول إنه ممثلاً في الرباعية الدولية من أجل السودان (أميركا وبريطانيا والسعودية والإمارات) التي تم إنشاؤها إثر انقلاب قائد الجيش عبدالفتاح البرهان على الحكومة الانتقالية بقيادة عبدالله حمدوك في الـ 25 من أكتوبر (تشرين الأول) 2021 كانت منتبهة للتداعيات الخطرة التي يمكن أن يدخل فيها السودان في ظل الانقلاب الذي أنهى المرحلة الانتقالية،
لذلك دعمت الرباعية الحل السياسي الذي أسفر عنه الاتفاق الإطاري، وهو اتفاق وقع عليه كل من الجيش والدعم السريع إلى جانب القوى الحزبية، وكان اتفاقاً يهدف إلى تسليم السلطة لحكومة مدنية وخروج الطرفين العسكريين من إدارة السلطة السياسية للبلاد.
وبعد اندلاع الحرب كانت محاولة الاحتواء الباكرة لتداعيات الحرب ممثلة في المبادرة الأميركية – السعودية التي احتضنتها مدينة جدة بادرة معبرة عن حرص المجتمع الإقليمي والدولي، إذ تم توقيع أول اتفاق على الهدنة بعد أقل من شهر عن اندلاع الحرب في الـ 12 من مايو (أيار) الماضي، ولا تزال مبادرة الميسرين لإنهاء الصراع تتجدد رعايتهما عبر الهدن المتكررة في محاولة لوقف نهائي لإطلاق النار. المتابع عن كثب لتطور المشهد الداخلي السوداني منذ الإطاحة بعمر البشير، ثم إبرام اتفاق تقاسم السلطة بين المكونين المدني والعسكري وتشكيل مجلس السيادة الانتقالي؛ كان بالضرورة سيخرج بنتيجة مبكرة مفادها: هيمنة جلية للغاية للمكون العسكري على حاضر المرحلة الانتقالية ومستقبل السودان عامة، وصراع محتوم-مترتب على ذلك، ومن الصعب توقع توقيت حدوثه- بين الجيش وقوات الدعم السريع.
منذ اندلاع الصراع بين الجيش وقوات الدعم في منتصف أبريل، سعت أطراف متعددة داخلية وخارجية للتهدئة والتوسط، كما طرح وسطاء مبادرات محمودة للحل. ومع ذلك، يلاحظ أنه رغم تقديم هذه المبادرات مضامين واقتراحات لحل شامل للأزمة، إلا أن أولوياتها كانت تنصب على “التهدئة” “والوقف الشامل لإطلاق النار” “وتوفير كافة السبل لحماية المدنيين”.وبجملة أخرى، يمكن اعتبارها مبادرات للتهدئة والهدنة، وليس للحل النهائي الشامل للصراع. ومرد ذلك-في أغلب الظن- هو علم الوسطاء التام أن تحقيق تسوية شاملة مستحيل تحقيقه مبكراً، ويحتاج إلى وقت وجهود كبيرة وحلول مبتكرة ووساطة دولية قوية معنية بحل الصراع. انزلق السودان في تحد من أصعب التحديات العصية على الحل. إذ هو صراع بين القوة النظامية الرسمية، وبين ميليشيا مسلحة تعد “جيشا مصغرا”. أي يمكن اعتبار الصراع في السودان صراعا بين جيشين وكأنه صراع دولي.
إن أية جهود رامية لصيغة للتعايش بين الجيش وقوات الدعم، أو لحلول لدمج قوات الدعم في الجيش كما يلمح البعض عبر إجراءات وصيغ جديدة وبشكل متدرج ربما تأخذ سنوات، في ظننا ستبوء بالفشل الذريع. إذ إن إدماج قوات الدعم يرتهن بتوجيه هزيمة شديدة لها، ووقف الدعم الخارجي القوى عنها، وهى مسألة من الصعب رؤيتها قريبا. مقابل ذلك، يبدو واضحاً أن الجيش السوداني بقيادة البرهان لا يرى من أفق للحل سوى استمرار العمليات العسكرية حتى سحق قوات الدعم.
وإن كان ما سبق هو التحدي العصي الرئيسي للصراع في السودان، يظهر في الخلف تحد رئيسي كبير لا يزكى الصراع، بقدر ما يساهم في تعقيده وإطالته، ويكمن في سقوط السودان-حتى الآن- من حسابات واهتمامات الكبار. إذ مع تقديرنا البالغ للمبادرات الإقليمية المطروحة للحل، إلا أن الصراع السوداني بتعقده الشديد الذي يحتاج إلى وقت وجهد وحلول مبتكرة وإرادة ومتابعة وفرض النفوذ لتنفيذ المقررات وإيقاف التدخل الخارجي المفسد، في أمس الحاجة لوساطة تقودها قوى دولية بالتنسيق مع/ أو بالتوافق مع المبادرات والدول الإقليمية.
وكما هو معروف، أن المنطقة بأكملها تقريبا قد سقطت من حسابات واشنطن الاستراتيجية منذ عقد تقريبا، فضلا عن انشغالها التام بالحرب الأوكرانية.
وعلى الجانب الآخر، تعتمد الصين سياسة ترتكز على الحياد وعدم التدخل، وبالتالي كما تسير عليه مواقفها الآن، غير مستعدة للتوسط بقوة في الصراع.
وإن كنا نرى أنه لا يزال إمكانية أن تلعب الصين دورا حاسما في الصراع بسبب مصالحها الاقتصادية الكبيرة في السودان والمنطقة عموما، كما نرى أيضا أن قطر بفضل دورها النشط كوسيط على مدار أعوام، وحيادها البارز، وخبراتها التفاوضية الواسعة؛ من الممكن أن تبادر بوساطة بناء ثقة بالتوافق مع القوى الدولية والإقليمية لحلحلة الأزمة، أو على أقل تقدير لإقامة هدنة مستمرة لإيقاف نزيف الدماء وحماية المدنيين.
وملخص البيان، انزلق السودان في تحد عسير للغاية، حيث من الصعب للغاية توافر صيغة تعايش بين الجيش وقوات الدعم السريع، كذلك صعوبة تحقيق انتصار حاسم على قوات الدعم مما يدفعها للقبول بخطط الدمج. علاوة على تورط أطراف خارجية مما يساهم في تأجيج حرب الوكالة وإطالة أمد الصراع. وبالتالي، فمن المؤكد أن الحل النهائي في السودان، بل حتى إقامة هدنة مستمرة، يحتاج إلى وقت ووساطة دولية قوية تقدم حلولا مبتكرة. ولنا أسوة في ذلك في ليبيا واليمن وسوريا التي تحولت إلى مناطق صراعات مزمنة بسبب الصراع على النفوذ والثروة والتدخل الخارجي المفسد وغياب الوساطة الدولية الحاسمة.
حقًا شيء مؤلم أن يصل العقل الإنساني الي هذا المستوى من الفكر دون ادراك الاختلاف ما بين العبادة والسياحة، والذي لا يرضى به الله من الإسراف والتبذير وأين؟ في أرض الله المشرفة التي يندفع الإنسان اليها بروح إيمانية بعيدة عن مظاهر الحياة وضجيجها وزخارفها من أجل تأدية الفريضة ومناسكها ويلتمس من الله القبول والرضا، دون التأمل أنه كلما زادت المشقة والتعب ارتفع الأجر، رحم الله زمانا يأتون الى الحج من كل فج عميق يتحملون مشقة السفر والمسافات الطويلة والعوائق السكنية والمادية وقسوة العيش، تحتويهم غرف وخيم جماعية بلا كلل ولا تذمر ولا شكوى تدفعهم المشاعر الايمانية لتأدية الركن الخامس من أركان الاسلام، متى ندرك أن العبادة روح ايمانية ربانية تسبق مظاهر الحياة وزخارفها. تقبّل الله من الجميع الطاعة والعبادة بحج مبرور وذنب مغفور.
كل هذا، جعل حميدتي أكبر مهدد للدولة ذاتها ناهيك عن الجيش. إضافة إلى ذلك، تعتقد القوى المدنية المنخرطة في العملية السياسية أن أنصار النظام السابق لعبوا دورًا في تأجيج هذه الخلافات، حيث يُشكل تسليم السلطة إلى المدنيين خطرًا على أنشطتهم التي عادت بعد انقلاب أكتوبر/ تشرين الأول.
وإزاء كل ذلك، كان متوقعا دخول الطرفين في قتال نظرًا لتضارب المصالح، وبعد اندلاعه في 15 أبريل/ نيسان الماضي، بات مهمًا إيقافه بسبب تكلفة الحرب الباهظة، وإن لم يحدث ذلك بسرعة فإن التدخل الإقليمي والدولي يكون ورادًا ما سيعقد النزاع وقد يطيل أمده.