أما بعد..
فنحن لا نفترق حين نتساوى..
ولا نتساوى حين نفترق..
ففي الفراق، يزرع أحدنا العثرات..
وعلى الآخر أن يحصد تعب الخطى..
يزين أحدنا الموت بتلويحة..
ويحمل الآخر عبء الزهور التي تذبل..
ويتحمل وحده كل أوزار الخريف..
برودة الريح..
، ولعنة الوحدة..
وتساقط الورق..
أحدنا يفاوض على شبر أرض لحلم ينزف..
والآخر يدفن كل الأمنيات حية..
وكأنما يخشى عليها عار التأنيث..
خبيث، ذلك القلب الذي يجعل من الشوق سلعة رخيصة..
يقايض عليها بخيوط شمس غد جديدة..
بعدما أفلت في زاوية الأمس..
لا اعتيادا للأفول، وإنما لأن يده الآثمة قطفت ضياءها..
وباعتها موشحة بالظلام لسطوة الليل..
ملعون قلبك، الذي حاك من الغياب رداءً، يخفي خلفه جسد الخيانة الملطخ بالخطيئة..
وهو يعلم جيدا ألا سبيل لديَّ للحاق به..
وأنا المدجج بالعجز والشوق، الممتلئ بالسقوط والوجع..
المحترق انتظارا حتى الانطفاء..
المزدحم بك حتى آخر رمق من أسى..
فلا جوازا أملك ولا تأشيرة..
لا خارطة للسير، ولا دليل يقتفي لي الأثر..
نحن ياصديقي لم نفترق عند الوداع المشوه..
الملوث بكل أصناف الرجاء، المنسوب إلى التوسل أكثر منه إلى الاستبقاء..
لكن فراقنا كان..
منذ أول صفعة خذلان، زينت بهتانا بزهور الأعذار الملونة..
وختمت بخاتم الاعتذارت الواهنة..
وسميت زورا بغير حقيقتها..
خوفا من سوء النسب..
أتعلم؟!..
لأن التخلى أشد عارا وأخزى من أن يسمى القلب-بين الجموع-لقيطا..
نحن ياصديقي لم نفترق الآن، وأنا أحصد غراس عيوني ملحا حارقا..
لكننا افترقنا قبلها..
حين تركت في عيني جذع الحنين القاسي..
لأنزف وتضحك..
وأتألم، فتنتشي..
نحن لم نفترق حين أدرت لي ظهرك..
لكن افترقنا قبلها بكثير..
أتعلم، حينما أدرت عني قلبك..
ووليتني جدار الصد والعقوق..
حينما ناديتني كذبا يا ابن قلبي..
وأنا لم أعبر قيد شبر، عتمة روحك..
ولم أرتق لمنزلة الغرباء حتى..
فبعض الغرباء قد يمنح كتفا لتتكئ..
أو ساعدا يقيم انكفاءة..
وأنت، ماذا فعلت؟!..
لا شيء، إلا أن كسرت في كل موضع متكئي، وتركتني على جمر القهر أحبو وأنا أناضل لأصل، بينما تجاهد مستبسلا لتزرع مسافات جديدة..
لا يدا مددت، إلا لتفعل كما يفعل قاطعو الطرق..
تلم عني مخاتلة بعض مفترق..
وتنصب لي ألف مفترق..
يا للدناءة..
كذب لسانك فأحسنت الظن، ظنا مني أن اللسان قد يزل..
وأن المحب لابد يعفو..
لكن، أن يضل قلبك ثم يقف في صفوف المتقين يصلي..
جاهدا، يقنعني أنه يلهج بالدعوات لأجلي..
ألَّا يقسو قدري فأنزعج..
ثم تطهو لي الرزايا خلف الرزايا على نار الغدر..
وتضع لي على موائد الوعود سم الرحيل..
وتبتسم بمكر، وأنت تدلق كأس الصبر في أحشائي..
لا أعرف، كيف واجهت قبلتي بكل هذا السواد..
بكل هذا الرجس..
كيف لم تخجل ووجهك صوب طهري..
وقلبك غارق في عهر الالتفات..
أي نفاق هذا الذي يجبرك لتفعل..
ألهذا الحد تمقتني؟!..
والله إن العدو لايفعل هكذا بعدوه..
ولو كان شيطانا..
فما بالك بمن جاء يوما..
يدعي حبا..
ويضمني عطفا وتحنانا..
رفع القلم..
انتهى..
النص تحت مقصلة النقد..
بقلمي العابث..