وقع قطاع غزة تحت الاحتلال الإسرائيلي بعد حرب حزيران 1967 بعد أن كان يتبع الإدارة المصرية منذ عام 1948.
ومنذ ذلك الحين، لا تزال هناك ادعاءات متعارضة بشأن المكانة القانونية للأراضي الفلسطينية المحتلة عامةً، وقطاع غزة بشكل خاص.
وفقاً للقانون الدولي الإنساني، هناك التزامات قانونية وعرفية تقع على عاتق قوة الاحتلال، تنظيمها بشكل أساسي ثلاثة مواثيق دولية هي: قواعد لاهاي المتعلقة بقوانين وأعراف الحرب البرية لعام 1907، واتفاقية جنيف الرابعة لعام 1949 المتعلقة بحماية الأشخاص المدنيين في أوقات النزاعات المسلحة والتي تركز على السكان الواقعين تحت وطأة الحرب، والبرتوكول الإضافي الأول الملحق لاتفاقيات جنيف الأربعة لعام 1977.
تفرض هذه المواثيق على دولة الاحتلال مجموعة من الالتزامات التي يجب الوفاء بها لتوفير الحماية للمواطنين في الأراضي المحتلة.
كما أن ثمة قواعد يفرضها القانون الدولي العرفي، وهي قواعد لا تتطلب انضمام الدولة لاتفاقيات دولية، بل يجب احترامها من قبل جميع الدول تحت أية ظروف.
[1] وقد عرّفت قواعد لاهاي لعام 1907 الاحتلال بأنه ‘السيطرة الفعلية على أرض من قبل قوة عسكرية أجنبية‘.
ولا يتطلب الاحتلال إعلانا من نوع خاص، أو وجود نية مسبقة لاحتلال إقليم ما من طرف القوة المحتلة، كما أنه لا توجد أهمية للدوافع من وراء التواجد الأجنبي على أرض الإقليم المحتل.
وبالتالي وفقاً للقانون الدولي الإنساني، يعتبر قطاع غزة أرضاً محتلة وتنطبق عليه الأحكام الواردة في هذه المواثيق الثلاثة وخاصة اتفاقية جنيف الرابعة المتعلقة بحماية المدنيين في الأراضي المحتلة.
وكانت محاكمات نورمبرغ، التي جرت في نهاية الحرب العالمية الثانية، اعتبرت اتفاقيه لاهاي جزءًا من القانون الدولي العرفي، بمعنى أنها تلزم حتى الدول التي لم تقبل طوعًا بمبادئ هذه الاتفاقية ولم تنضم إليها.
[1] هذا بالطبع إلى جانب التزامات أخرى يلقيها القانون الدولي لحقوق الإنسان على عاتق إسرائيل، مكانة قطاع غزة قبل فك الارتباط: • وجهة النظر الإسرائيلية: تدعي إسرائيل أن قطاع غزة هو جزء من أرض “متنازع عليها” وليست “أرض محتلة”، بحجة أنه عندما آلت إليها كل من القدس والضفة الغربية وقطاع غزة بعد حرب حزيران ،1967 كانت الضفة الغربية تابعة للإدارة الأردنية وقطاع غزة تابعاً للإدارة المصرية. وتعتبر إسرائيل أنه لم يكن لكل من الأردن ومصر سيادة شرعية على الضفة وغزة. وبالتالي كان هناك فراغ سياسي في هذه الأراضي عندما غنمت إسرائيل هذه الأراضي. بناء على ذلك، لا تقر إسرائيل بالمسئوليات القانونية التي يقرها القانون الدولي الإنساني على السلطة المحتلة
وترفض قانونيا تطبيق اتفاقية جنيف الرابعة المتعلقة بحماية المدنيين زمن الحرب، ولكنها تدعي أنها تطبق الأحكام الإنسانية الواردة فيها من ناحية واقعية (facto De (وليس كإلزام قانوني (Jure De(. كما أنها تدعي بالتزامها بأحكام اتفاقية لاهاي المتعلقة بالوضع الإنساني للمدنيين، وذلك لاعتبارها جزء من القانون الدولي العرفي
• وجهة نظر المجتمع الدولي: أقر المجتمع الدولي منذ عام 1967 أن القوات الإسرائيلية هي قوة احتلال حربي فرض سيادته وأنشأ إدارة عسكرية في الأراضي الفلسطينية، وبهذا تنطبق عليها حالة الاحتلال وتنطبق عليها أحكام اتفاقية جنيف الرابعة لعام ،1949 المتعلقة بحماية السكان المدنيين وقت الحرب. وحيث أن إسرائيل طرفاً متعاقداً على الاتفاقية، فإنه يتحتم عليها تطبيق أحكامها، حيث تفرض هذه الاتفاقية على الأطراف السامية المتعاقدة توفير الحماية للسكان المدنيين وضمان احترام إسرائيل للقانون الدولي الإنساني وخاصة اتفاقية جنيف الرابعة
. وقد أكد على ذلك مؤتمر الأطراف السامية المتعاقدة على اتفاقية جنيف الرابعة عام ،2001 وأكدت عليه محكمة العدل الدولية في رأيها الاستشاري حول قانونية بناء إسرائيل للجدار الفاصل في الأراضي الفلسطينية المحتلة عام ،2004 حيث أكدت على أن إسرائيل، بفعل احتلالها، عليها واجبات واضحة ومحددة بموجب الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، والعهدين الدوليين، واتفاقية حقوق الطفل. مكانة قطاع غزة بعد فك الارتباط:
• عملية فك الارتباط: أعلن رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق أرئيل شارون أواسط العام عن 2004 عن خطة الانسحاب الإسرائيلي أحادي الجانب من قطاع غزة، وتم تنفيذها خلال شهري أغسطس وسبتمبر عام .2005 ومن أهم ملامحها: .1
سحب القوات الإسرائيلية والمستوطنين من جميع أنحاء قطاع غزة. .
إخلاء 17 مستوطنة إسرائيلية في قطاع غزة وأربعة شمال الضفة، وتدمير المنشآت الموجودة فيها. .3 تبقي الخطة على السيطرة الأمنية على قطاع غزة بيد إسرائيل. يشمل ذلك السيطرة التامة على الحدود البرية، والمجالين الجوي والبحري للقطاع. .
تدعي الخطة أن مسئولية إسرائيل عن السكان المدنيين في قطاع غزة تنتهي بمجرد تطبيقها، وتلقى المسئولية الكاملة عنهم على عاتق السلطة الوطنية الفلسطينية. .
تؤكد الخطة على أن الاستيطان في الضفة الغربية سوف يتوسع، وأن أي اتفاق مستقبلي سوف يراعي مطالب إسرائيل بالاحتفاظ بـ “التجمعات السكانية الأساسية، والمدن والقرى الإسرائيلية، وأراضٍ أخرى ذات أهمية عسكرية واستراتيجية في الضفة الغربية
” وبناء على هذه الخطة، أعلنت إسرائيل فك ارتباطها القانوني بقطاع غزة، وبالتالي تغيرت المكانة القانونية لقطاع غزة، ولكن هذا من وجهة النظر الإسرائيلية فقط.
ولكن هل أمسى قطاع غزة منطقة غير محتلة، بموجب ما ينص عليه القانون الدولي، ولماذا؟ لهذا السؤال أهمية كبيرة حيث يترتب عليه تحديد الجهة المسئولة قانونياً، وأمام المجتمع الدولي تجاه حياة وظروف السكان المدنيين في القطاع. نصت خطة فك الارتباط في نسختها قبل الأخيرة على أن “الانسحاب سوف ينهي احتلال إسرائيل لقطاع غزة”، وفي ذلك إقرار صريح بأن القطاع كان محتلاً قبل فك الارتباط، ما يناقض الرواية الإسرائيلية المشار إليها أعلاه. غير أن النص النهائي استبدل هذا النص من خلال تأكيده على “دحض أية ادعاءات بمسئولية إسرائيل عن السكان المدنيين سكان قطاع غزة” بعد تطبيق الخطة. إذاً إسرائيل تقول أنها لم تحتل، ولا تشكل قوة احتلال بعد فك الارتباط.
وبالتالي حتى الحد الأدنى من المسئوليات الإنسانية تجاه سكانه غير معترف بها. ولكن ماذا عن موقف القانون الدولي؟ تنص قواعد لاهاي (1907) على أن أي إقليم يعتبر محتلاً إذا أخضع “للسلطة الفعلية” أو السيطرة الفعلية لجيش معاد ويمتد الاحتلال فقط على الإقليم الذي أنشأت فيه مثل هذه السلطة، ويمكنها ممارستها بالفعل. وتتحدد حالة الاحتلال بمدى السيطرة التي تمارسها إدارة الاحتلال على حساب السلطة المدنية التي كانت قائمة قبله.
كما أن وجود “السيطرة الفعالة” يتطلب وجود سيطرة عسكرية وإدارية على الإقليم. هذه السيطرة لا تتطلب بالضرورة وجود قوات محتلة في داخل الإقليم، وإنما قدرة تلك القوات على ممارسة السيطرة والتحكم في الإقليم في أي وقت تشاء. عليه، فطالما لدى القوات الإسرائيلية القدرة على ممارسة سلطتها، فإنه لا يمكن لها الادعاء بتحللها من الالتزامات القانونية المترتبة على احتلالها للإقليم،
لاسيما أنها تمارس سيطرة فعلية على كل من المجال الجوي والبحري والحدود واستمرار الإدارة المدنية والأوامر العسكرية كأوامر سارية المفعول، فإنها تمارس سلطة احتلال. إن انسحاب قوات الاحتلال من قطاع غزة غير كاف وحده للادعاء بإنهاء الاحتلال، طالما أن لدى إسرائيل القدرة الفعلية على إعادة جنودها إلى القطاع في أي وقت تقرره . ويمكن الاستدلال على هذه المكانة بشكل أكبر من خلال مستوى التحكم والسيطرة التي تمارسها إسرائيل على قطاع غزة والذي يؤكد على أنها لا تزال سلطة احتلال. فالتحكم في الحدود البرية والمجالين الجوي والبحري لقطاع غزة، واستمرار الإدارة المدنية والأوامر العسكرية كأوامر سارية المفعول وحده يكفي للتأكيد على أن إسرائيل لا تزال سلطة محتلة في قطاع غزة.
فعلى سبيل المثال، أمرت إسرائيل بإغلاق معبر رفح لمدة تتجاوز الشهرين بعد فك الارتباط، وأغلقته عدة مرات كان آخرها الإغلاق المستمر منذ أوائل شهر يونيو من العام ،2008 على الرغم من عدم وجود قواتها على الحدود فعلياً. وقامت الطائرات الإسرائيلية بقصف مئات المواقع في قطاع غزة، وتقوم بالتحليق في سمائه بشكل يومي. كما اجتاحت قوات الاحتلال قطاع غزة عشرات المرات بعد فك الارتباط، وقامت بأعمال القتل والتدمير والاعتقال فيها، بينما لا يمكن تشغيل مطار غزة الدولي، أو العمل على بناء ميناء غزة، أو استخدام المعابر القائمة للتنقل والتجارة دون موافقة إسرائيل. ناهيك عن أن المنطقة الأمنية التي أقامتها إسرائيل على طول الحدود تقع داخل حدود قطاع غزة.