إن الإصلاح العميق والشامل لمنظومة العدالة يأتي في صدارة أولويات برامج الإصلاح الحكومي وذلك بغرض تعزيز المكانة الدستورية للقضاء الذي تم الارتقاء به إلى سلطة مستقلة، نظرا للدور الحيوي للعدل في البناء الديمقراطي وتوطيد الاستقرار الاجتماعي والتنمية الاقتصادية، وحماية حقوق والتزامات المواطنين والفاعلين الاقتصاديين والاجتماعيين، وباعتبار القضاء ملاذا لصون الحقوق والحريات وضمان ممارستها الفعلية، وتحقيق الأمن القضائي والالتزام بسيادة القانون، وترسيخ الثقة الكفيلة بالتحفيز على المبادرة والاستثمار.
وستعمل الحكومة، طبقا للمقاربة التشاركية مع الفعاليات المعنية ومكونات المجتمع المدني ذات الصلة، على تنزيل المقتضيات الدستورية المتعلقة بالسلطة القضائية بما يضمن تعزيز استقلال القضاء، ورفع فعاليته، وصيانة حرمته ووقاره، وتحصين كرامة وشرف وهيبة كافة مكوناته.
وستقوم الحكومة في هذا الإطار بإصدار القوانين التنظيمية المتعلقة بالنظام الأساسي للقضاة وبتنظيم وسير المجلس الأعلى للسلطة القضائية والمعايير المتعلقة بتدبير الوضعية المهنية للقضاة ومسطر ة التأديب.
وبالنظر للمكانة الخاصة للمجلس الأعلى للسلطة القضائية في السهر على تطبيق الضمانات الممنوحة للقضاة و إصدار التوصيات حول وضعية القضاء ومنظومة العدالة و الآراء حول سير القضاء، ستعمل الحكومة على ضمان حسن سيره و توفير الإمكانيات اللازمة لضمان استقلاله الإداري والمالي.
كما سيتم العمل على إصدار القوانين ومراجعة المنظومة التشريعية بما يحقق تنزيل المقتضيات الدستورية المتعلقة باستقلال القاضي وبحقوق المتقاضين وقواعد سير العدالة والتعويض عن الضرر القضائي، وتطوير الإطار القانوني المنظم لمختلف المهن القضائية.
وستواصل الحكومة الإصلاحات الجوهرية الرامية إلى تحديث المنظومة القانونية سواء فيما يتعلق بضمان ممارسة الحريات، ولاسيما مراجعة قانون المسطرة الجنائية ومجموعة القانون الجنائي لمزيد من الملاءمة مع التزامات المغرب الدولية في مجال حقوق الإنسان، أو فيما يتعلق بتحسين مناخ الاستثمار.
وستتابع الحكومة تنفيذ برامج تأهيل الهياكل القضائية والإدارية ومواردها البشرية، وترسيخ التخليق، وجعل القضاء في خدمة المواطن، بدعم ضمانات المحاكمة العادلة، وتحقيق فعالية ونجاعة القضاء وقربه، وتبسيط المساطر والإجراءات القضائية وتوحيدها، وتسهيل ولوج المتقاضين إلى المحاكم، وتحسين ظروف العمل والاستقبال بإعداد فضاءات قضائية مناسبة، ونهج الشفافية والحكامة الجيدة في الإدارة القضائية، وترسيخ احترافية القضاء وتخصصه ونزاهة وجودة أحكامه عن طريق الارتقاء بالتكوين الإعدادي والتكوين المستمر للقضاة والموظفين ومساعدي القضاء بهدف تعزيز مواكبة النظام والأداء القضائي لحاجيات التنمية الاقتصادية والاجتماعية وتحسين مناخ الأعمال والاستثمار.
وإن الحكومة لعازمة على اتخاذ الإجراءات العاجلة للرقي بمستوى الإدارة القضائية عن طريق استعمال التكنولوجيا الحديثة في أفق التحديث والمكننة الشاملة لمحاكم المملكة خلال الأمد القريب، لتسريع إجراءات البت في القضايا، وضمان جودة وشفافية الخدمات القضائية، والرفع من القدرة التواصلية للمحاكم مع المتقاضين وتعميم نشر المعلومة القانونية والقضائية.
ولإعطاء النموذج في احترام القضاء والامتثال لأحكامه ستعمل الحكومة على تسريع تنفيذ الأحكام القضائية الصادرة ضد الإدارة وإقرار تدابير ملزمة وفعالة في هذا المجال.
كما تعتزم الحكومة تكثيف التعاون القضائي الدولي، وإنشاء وحدات للمساعدة القانونية المجانية، وتشجيع الوسائل البديلة لحل المنازعات، فضلا عن تفعيل اللاتمركز الإداري والمالي لضمان فعالية الإدارة القضائية على الصعيد الجهوي، وكذا الرفع من مستوى الخدمات الاجتماعية المقدمة من طرف المؤسسة المحمدية لقضاة وموظفي العدل.
- ترسيخ الحقوق والحريات و الأمن:
وفيما يتعلق بترسيخ الحقوق والحريات، فقد أفرد الدستور بابا خاصا للحريات والحقوق الأساسية يمثل خريطة طريق لتعزيز حقوق الإنسان وإصلاح وملاءمة المنظومة القانونية المتعلقة بالحقوق الأساسية المدنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والبيئية، مع تنصيصه على ملاءمة التشريعات الوطنية مع الاتفاقيات الدولية التي صادق عليها المغرب في نطاق أحكام الدستور وقوانين المملكة وهويتها الوطنية الراسخة.
وإن الحكومة إذ تعتبر أن تنزيل ذلك يتطلب سياسة عمومية مندمجة تنطلق من رصيد توصيات ومقاربة هيئة الإنصاف والمصالحة وتقرير الخمسينية، ستعمل على ترسيخ الحريات والحقوق والواجبات والمواطنة المسؤولة، خاصة ما يهم تدعيم المساواة بين الجنسين والسعي إلى تحقيق مبدأ المناصفة وإرساء هيئة خاصة بها، ومكافحة كل أشكال التمييز، وتبسيط وتسهيل إجراءات تأسيس الجمعيات والإسراع باعتماد القانون التنظيمي الخاص بشروط وكيفيات ممارسة الحق في التشريع وتقديم عرائض إلى السلطات العمومية، وكذا باعتماد القوانين التنظيمية الخاصة بالمؤسسات المعنية بحقوق الإنسان والحكامة، وإصلاح منظومة الحكامة الأمنية، وفقا لمقترحات المجلس الأعلى للأمن و ذلك طبق لمقتضيات الفصل 54 من الدستور.
وستعمل الحكومة على تعزيز الإطار القانوني وتطوير المؤسسات الوطنية العاملة في مجال حقوق الإنسان، وتعزيز ضمانات المحاكمة العادلة وتفعيل مبدأ المساواة أمام القضاء وتجريم كل الأفعال الماسة بسلامة الشخص الجسدية والمعنوية والروحية وكل الممارسات المهينة أو الحاطة بالكرامة، وترتيب أقصى العقوبات على جرائم الاختطاف والاختفاء القسري والاحتجاز والاعتقال التعسفيين والتعذيب والتمييز العنصري بكل مظاهره، وعلى الجرائم ضد الإنسانية واعتبار كل هذه الأفعال جرائم لا تسقط بالتقادم، ومواصلة نشر ثقافة حقوق الإنسان والتربية والتكوين عليها في إطار الخطة الوطنية للديمقراطية وحقوق الإنسان، مع تعزيز الممارسة الاتفاقية للملكة المغربية ودعم التعاون مع الهيئات الدولية في مجال حقوق الإنسان.
ووعيا منها بما للأمن من دور كبير في توفير الظروف الملائمة لتحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية وإنجاح الأوراش الكبرى التي تعرفها بلادنا، فإن الحكومة ستعمل في إطار الحق والقانون، على تعزيز محاربة الجريمة و ضمان سلامة الأشخاص و الممتلكات وضمان ممارسة الحريات العامة، وعلى محاربة الظواهر السلبية التي تشوب ممارسة هذه الحريات وترسيخ ثقافة المواطنة المسؤولة واحترام سيادة القانون تحت رقابة القضاء.
وستواصل السلطات العمومية المجهودات الرامية إلى تقوية وتعزيز الاستراتيجية الخاصة بمحاربة الهجرة غير الشرعية في إطار مقاربة شمولية تجمع بين الجوانب الوقائية والزجرية إضافة إلى التركيز على الجوانب السوسيو اقتصادية والتحسيسية.
ونظرا للآثار السلبية والخطيرة للمخدرات على الناشئة وعلى سمعة الوطن في هذا المجال ستواصل السلطات العمومية جهودها الرامية إلى محاربة هذه الظاهرة الخطيرة، بكل أوجهها والوفاء بالالتزامات الدولية للمغرب المتعلقة بذلك والتصدي للتحديات المجالية والأمنية والاجتماعية والأخلاقية المرتبطة بهذه الآفة على المستويات الوطنية والإقليمية والدولية.
وستعتمد الحكومة مقاربة مندمجة لإعادة إدماج السجناء و مواصلة المجهودات المبذولة لأنسنة ظروف اعتقال السجناء وصون كرامتهم من خلال الإجراءات التالية:
- تحسين شروط الإيواء والحد من مشكل الاكتظاظ، ببناء سجون جديدة وفق مواصفات نموذجية، والقيام بالتوسيع والترميم الواجب في شأن بعض السجون القديمة.
- تحسين الرعاية الصحية من خلال دعم الشراكة في هذا الإطار مع القطاع المعني وتعزيز الإجراءات الوقائية في هذا المجال وتحسين حجم ومستوى التأطير وكذا تجهيزات السجون من المعدات الطبية الضرورية.
- تطوير البرامج التربوية وتوسيع دائرة السجناء المستفيدين منها، من خلال ملاءمة حاجياتهم لهذه البرامج وتعزيز آليات الشراكة والتواصل مع القطاعات المعنية، في شأن برامج التعليم ومحو الأمية والتكوين المهني، وإعمال المراقبة والتتبع والتحيين اللازم في هذا المجال.
- مواصلة الجهود المبذولة لتخليق الفضاء السجني وإعمال الأمن والانضباط في صفوف السجناء والموظفين على حد سواء، وتعزيز آليات الافتحاص والمراقبة، وكذا تطوير برامج التكوين والتأهيل المعرفي والمهني لموظفي السجون بما يتلاءم ومتطلبات أمن فعال وإدماج حقيقي للسجناء بعد الإفراج.
- تحديث طرق العمل من خلال ملاءمة القوانين المنظمة للسجون للمتطلبات الحقوقية الواردة بالدستور الجديد وللتطورات المتصلة بالتدبير اللاممركز والحكامة الجيدة، وتوسيع نطاق الشراكة والانفتاح على الفعاليات الحكومية وغير الحكومية وفق ما يكفل تحقيق دعم مادي ومعنوي للسجناء وتهييئهم للإدماج بشكل فعال وسليم بعد الإفراج.