قد تفي الآية القرآنية الواحدة مُبتَغَى غَرضين في جملة سياقها المؤتَلِف من شَطرين، وبضرب المثال يتضح المقال : قال تعالى : وَرحمَتي وسعَت كُلَ شَيءٍ فَسأكتُبهَا للذينَ يَتَقُونَ ويُؤتُونَ الزكَاة والذينَ هُم بآيَاتِنَا يُؤمنون ) الأعراف 156
فمبتدأ السياق الرحمة الواسعة، ومٌنتهاه الخبري الشرطي للذين يتقون ويؤتون الزكاة مؤمنين…
وقد تُفضي الآية بتتمة ما بعدها إلى سَبر غور قضيتين شائكتين، على نحو قوله تعالى ( عَالمُ الغَيبِ فَلا يُظهِرُ عَلَى غَيبهِ أحدَاً ) ( إلا مَن ارتَضَى مِن رَسُولٍ فَإنَهُ يَسلُكُ من بينِ يَديهِ ومِن خَلفهِ رصَدّا ) الجن 26 و 27 فمقتضى الآية الأولى استئثار الله بعلم الغيب، وبعض استثناءات هذا الغيب منحة إلهية لاستثناءات الرسل والملائكة، في مدلول الآية التالية… وبحاصل هاتين الآيتين يتجلى قضاء الله المُبرم، وقضائه المُعلق …
وقد يختصر القرآن الكريم عبر آيتين من ست كلمات، آفاق الزمن كله، فيشير إلى أمر تستغرقه البشرية كلها أبد الدهر، لمولد حقيقة علمية أومأ إليها الكتاب المَبين منذُ قُرون، كقوله تعالى في سورة الطارق ( والسمَاءِ ذَاتِ الرَجع ) ( والأَرضِ ذَاتِ الصَدع ) الطارق 11 و 12 فالآيتان هما خلاصة قانون جاذبية الفضاء لآينشتاين ( والسمَاءِ ذَاتِ الرَجع) والجاذبية الأرضية لنيوتن ( والأرضِ ذَاتِ الصَدع)…
وبنفس الإعجاز الفالق الفاتق ، يشير القرآن عبر آيتين من ست كلمات، إلى الجاذبية الأرضية في قوله تعالى ( ألَم نَجعَل الأرضَ كِفَاتاً ) ( أحيَاءً وأموَاتاً ) المرسلات 25 و 26
وقد يكون الإنباء القرآني كاف
واف شاف لمكتنف تميطه الأزمنة، فيفجر ينبوعاً لمكتشف علمي، غشيته أرحام التكوين قروناً، كقوله تعالى ( لتَركَبُنَ طَبقاً عَن طَبق ) الإنشقاق 19..
أربع كلمات لآية واحدة من جملة ست آلاف آية ونيف، تكلمت بصيغة المضارع المستقبلي المستمر، عن بلوغ البشرية يوماً ما أسمى وأثمن مبالغها، بركوب الطائرات الشراعية والفضائية….
وتظل البشرية حالاً واستقبالاً في تيه ملايين التجارب والنظريات ما صلح منها القليل وما بطل منها الكثير، لتتلقى قذائف الحق الإلهي المُذهل بمقتضى كُن فيكون، بين تحدٍ إلهيٍ مُعجز ( هَذَا خَلقُ اللّه فَأرُوني مَاذَا خَلقَ الذينَ من دُونهِ بَل الظَالمُونَ في ضَلَالٍ مُبين ) لقمان 11 وترَقبٍ لخلقٍ جديد ( ويَخلُقُ مَا لَا تَعلَمُون ) النحل 8