تشهد الآونة الأخيرة تغيرات عنيفة على جميع الأصعدة الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والقيمية، وبالتبعية تواجه الأنساق التربوية المعاصرة منظومة معقدة من التحديات التي فرضتها التغيرات في مختلف الميادين والمجالات؛ وتفرض الأسئلة الوجودية للفلسفة التربوية بإلحاح في الآونة الأخيرة، من نحن؟ وإلى أين نسير؟، وما طبيعة المعارف التي تهدينا؟ هذه التساؤلات تولد تساؤلات تربوية عديدة، لماذا نعلم؟، وماذا نعلم؟، وكيف نعلم؟،
ومن ثم تعبر هذه التساؤلات عن مسألة التعليم: غاياته، مناهجه، وطرائقه، ومن ثم كانت مشكلة الدراسة: ما أسس بناء فلسفة التربية لتحقيق التوازن بين قضايا الثبات ودواعي التغير؟ وفي إطار بحث هذه المشكلة هدفت الدراسة إلى: التطرق إلى الخلفيات الفلسفية لمصطلح الثبات والتغير، وتحليل القضايا التربوية المرتبطة بمصطلح الثبات والتغير، وتحديد رؤية فلسفة التربية لإحداث التوازن بين قضايا الثبات ودواعي التغير واستخدمت الدراسة منهج التحليل الفلسفي وتوصلت إلى أهم أسس فلسفة التربية لتحقيق التوازن بين قضايا الثبات ودواعي التغير من خلال تحديد الأطر الفكرية لفلسفة التربية، وتحديد أهم الركائز المقترحة لها.
وجوب بناء المجتمع تربوياً من خلال قيادته التي تحكمه ومن مفارقات التاريخ الكبرى في عهدنا الملكي إن التشريعات التي تُسن لمكافحة البغاء والخمر والمقامرة والرشوة والتحايل على القانون والسرقة ومخالفة الآداب العامة وما شاكلها تحتمي بها الفئة الحاكمة فتطلق لشهواتها العنان في مجال الموبقات ولا تطبق تلك القوانين إلا في الحالات التافهة وعلى الأفراد العزل من أبناء الشعب. ضرورة إعطاء دور فاعل للتعليم بوصفه وسيلة لتوصيل العلم والتربية
فلسفة التربية فرع من فروع الفلسفة التطبيقية أو العملية المعنية بطبيعة التربية وأهدافها والمشكلات الفلسفية الناشئة عن النظرية والممارسة التربويين. نظرًا لأن هذه الممارسة موجودة في كل المجتمعات البشرية، فإن مظاهرها الاجتماعية والفردية متنوعة للغاية، وتأثيرها عميق جدًا، إذ الموضوع واسع النطاق، ويشمل قضايا في الأخلاق والفلسفة الاجتماعية السياسية،
ونظرية المعرفة، والميتافيزيقا، وفلسفة العقل واللغة ومجالات الفلسفة الأخرى. تتطلع فلسفة التربية في الوقت نفسه إلى ما هو داخل تخصصها الأصلي (الفلسفة) وإلى ما هو خارج هذا الاختصاص، أي إلى الممارسة التربوية والسياقات الاجتماعية والقانونية والمؤسسية التي تتحقق فيها، وهي بذلك تهتم بجانبي الثنائية التقليدية النظرية الممارسة.
يشمل موضوعها كلاً من القضايا الفلسفية الأساسية (مثل: طبيعة المعرفة التي تستحق التدريس، وطبيعة المساواة والعدالة التعليمية، وما إلى ذلك) والمشاكل المتعلقة بالسياسات والممارسات التربوية المحددة (مثل: الرغبة في اتباع مناهج واختبارات معيارية، الأبعاد الاجتماعية والاقتصادية والقانونية والأخلاقية لترتيبات تمويل محددة، وتبرير قرارات المناهج الدراسية، وما إلى ذلك).
في كل هذا، يراعي فيلسوف التربية الوضوح المفاهيمي، والصرامة في المحاججة، والمراعاة العادلة لمصالح جميع المشاركين في الجهود والترتيبات التربوية أو المتأثرين بها، والتقييم المستنير والمعقول للأهداف والتدخلات التربوية.
انطلاقًا من هذا الواقع، والنظرة المعرفية للفلسفة الإسلامية للتربية، وجدت مجموعة من التحولات طريقًا لها في ظل الكثير من تلك الظروف الضاغطة والحاكمة، وفي الوقت الذي لا يمكننا إنكار التربية الإسلامية التي حافظت على تراثها، ودورها من خلال انتاجها لنخبة كبيرة من العلماء الأعلام والقيادات الاجتماعية والسياسية، التي أثرت في التاريخ البشري، على المستوى الفلسفي والفكري، والكثير من العلوم الطبيعية كالطب والهندسة، والفلك، والفيزياء، …وغيرها،
إلا أنّ هذه التربية لم توثّق، بالشكل الخاص، ولم تقيّد بالنحو الذي يمكننا أن نعتبر ذلك مرجعًا يمكن الاستناد إليه في هذا المضمار، وخاصة مع تطور النظريات والأنظمة التربوية الحديثة في الغرب، فقد نشأ نوع من حالة الفصام في الواقع الإسلامي، بين التربية الوافدة والمبتناة على فلسفات ليست إسلامية، وبين الكثير من التعاليم والأحكام الإسلامية التي تعارض تلك التربية، وقد انعكس ذلك في الكثير من الوقائع التربوية والاجتماعية،
حيث يُعزى الكثير من الأسباب التي أدت إلى تراجع المجتمعات الإسلامية إلى الخلل في البناء التربوي، وهو ما استدعى وجود عملية بناء لفلسفة تربوية إسلامية أصيلة، تعمل على إجراء تحوّل في الواقع المتخلف للعالم الإسلامي، وتدفعه إلى إعادة الإنتاج والإبداع في الكثير من الميادين والساحات الحياتية، إلا أن إنتاج أو كتابة فلسفة التربية الإسلامية يواجه مجموعة من العقبات لا بد من ذكر أبرزها: إن فلسفة التربية الإسلامية تحتاج إلى الفلسفة الإسلامية العامة للبناء والارتكاز عليها، حيث تشكّل مدخلاً ضروريًا لا يمكن إغفاله، وبالتالي فإنّه ما لم يكن هناك حسم للكثير من القضايا الفلسفية، وتحديد الموقف المتبنَّى إزاءها، فإنّ البحث حول الفلسفة التربوية سيكون قاصرًا.
أن تدوين فلسفة التربية تحتاج إلى فتح باب الاجتهاد على حقول وفضاءات معرفية جديدة، خاصة في المؤسسة الدينية الأولى وهي الحوزة، وعدم الاكتفاء بالاجتهاد بالأبواب المعرفية المعتادة كالفقه والأصول، بل لا بد من الاجتهاد في الأبواب الخاصة بالتربية، وهو أمر لم يظهر جليًا ومكتملاً حتى الآن، خاصة إذا ما أخذنا بعين الاعتبار الاجتهاد بمعناه الاستنباطي الذي يأخذ بعين الاعتبار المتغيرات الزمنية والمكانية للموضوعات المختلفة.
الحاجة إلى تحديد المنهجية التي ستُعتمد في بناء أو تدوين الفلسفة التربوية الإسلامية، حيث أنّ المنهجية الأصولية والفقهية هي المنهجية الطاغية حاليًا في قراءة النص الديني الإسلامي، مع ملاحظة الإستدلال العقلي إلى جانب النقلي في الكثير من القضايا والمفاهيم الإسلامية، خاصة لدى المدرسة الإمامية، مما يعني أن تحديد منهجية الفلسفة التربوية سابقة حكمًا عن البحث في موضوعات وقضايا الفلسفة التربوية نفسها، وضرورة لا بد منها.
طغيان المقاربات الغربية للقضايا التربوية، مما سيجعل أي تحوّل في هذا المجال تغييرًا صعبًا وشاقًا سيحمل الكثير من المواجهة والمجابهة، إن على مستوى الواقع الإسلامي الداخلي، أو على مستوى الخارجي المقابل للفكر الإسلامي. الافتقار إلى المفكرين والعلماء المسلمين الذين يحملونا الفكر التربوي بعمقه، ولديهم الخلفية المعرفية الإسلامية من منابعها الأصيلة، وهو ما يحتاج إلى جهود كبيرة في هذا السياق. الاحتياج الملح لحل الكثير من القضايا التربوية التي تفرض نفسها حاليًا، في حين أن عملية التأصيل الفكري والفلسفي، تدرس الجوانب المدركية للحل، وليس آليات الحل بشكل مباشر، أي أن هذا الأمر مع ضرورته لا يمكن الركون إليه قبل تشييد تلك المداميك الفلسفية والمعرفية العميقة، مما سيولّد حالة من نكران مسألة فلسفة التربية.
إنّ طرح عملية تأصيل للتربية هو بمضمونه نوع من هدم ما هو سائد(ولو على النحو الجزئي)، أي أنه سيستدعي نوع من المواجهة المعرفية والفكرية بالحد الأدنى، مما يحتمل دخول ذلك في الاطار السياسي، وبالتالي فإنّ التحول بهذا المستوى يحتاج إلى احتضان من قبل سلطة أو جهة لها القوة في حماية هذه الجهود والنتاجات البنيوية التغيرية.
ومن ضمنها الفلسفة والقضايا التربوية، حيث يمكن أن نلحظ ذلك-وإن بدا في مراحله الأولى-مع إطلاق المباني النظرية للتحول البنيوي في نظام الجمهورية الإسلامية في إيران – بعد الدفع والتوجيه والمواكبة التي حظيت به من قبل سماحة الإمام الخامنئي(حفظه الله)- حيث تمهد لوثيقة تربوية إسلامية تأصيلية تلحظ الأبعاد الإنسانية كافة، وتحدد المنحى العام للفلسفة التربوية الإسلامية التأصيلية، ومرتكزاتها البنائية والتأسيسية، ومقاهيهما، وعناصرها الأساسية.
ومن هذه الفلسفة الحركية، إن صح التعبير، تنطلق أصول العقائد، وأصول السلوك في الإسلام، العقائد التي تؤكد وثيق صلات الإنسان بالله، عن طريق الاعتراف بعبودية الإنسان لواهبه الحياة، وجاعله شاعرا بها، وعن طريقه خضوعه للإدارة العليا لواهبه هذه الحياة. والسلوك الذي يجب أن يهدف – في نظر الإسلام – إلى إبراز شخصيتك وكيانك كمخلوق يتألف من مادة وروح،
وذلك عن طريق تمشي الإنسان طبق الأسباب والمسببات، ووفق سنن الله الذي أتقن كل شيء، والذي أحسن كل شيء خلقه. وهذا السلوك الإسلامي يتحقق بواسطة العمل اليومي الذي يجب فيه التقيد بالإحسان الذي يعني مراقبة الله في السر والعلن، وبالدرجة التي يعبر عنها سيدنا محمد في حواره مع جبريل بقوله: أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك. أي أن نتوفر على طاقات حية وهائلة من الإدراك الحقيقي لمواقعنا.
ومن يقظة ضمير تجعلنا لا نغفل طرفة عين – ونحن في غمرة أعمالنا اليومية، وحتى الروتينية منها- عن الاعتقاد بأننا محط عناية الرب، وأننا في نفس الوقت المنفذون لإرادته والمبلغون رسالاته. ويجب أن نؤمن في نفس الوقت بأن هذه الإرادة، وتلك الرسالات، تعنيان – بالدرجة الأولى – الإخلاص لكل أولئك الذين يرتبطون معنا بأقوى الوشائح وأوثق الصلات، والذين يكونون معنا هذه المجموعة الإنسانية، التي يكون كل فرد منا إحدى خلاياها الحية. ثم علينا بعد ذلك أن نربط مصيرنا كمجموعة بكل شيء يحيط بنا، وعلى أساس أن له بنا شديد الاتصال وبالغ الارتباط انطلاقا من مبدأ الإخلاص له. والإخلاص يعني استنفاذ جميع قوانا العقلية والإدراكية والجسمية، لوضع الأشياء في محالها، وجعلها تتساوق وما تتطلبه المصلحة العليا لمجموعتنا الإنسانية، وللحياة نفسها.