ليس في العنوان سخرية أو أية خدعة.. بل هي حقيقة صادمة تسعى إليها إسرائيل عبر الخطة التي قدمها رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو إلى مجلس الحرب في إسرائيل ويستعرض من خلالها رؤيته لمستقبل قطاع غزة بعد انتهاء العدوان.
الخطة إلى جانب بنود عسكرية وأمنية عديدة، تتضمن بندا غامضا يتحدث عن أن إسرائيل “لن تسمح بإعمار غزة قبل استكمال نزع السلاح في القطاع، وتنفيذ خطة التربية ضد التطرف، بوضع منهاجين تعليمي وديني جديدين”.
هذا البند ربما لاقى حظا وافرا من السخرية والنقد من جانب الفلسطينيين، وقطاع معتبر من الإسرائيليين أيضا، فبموجب تلك الخطة ستتدخل إسرائيل في صياغة ما يدرسه الفلسطينيون في غزة سواء في مدارسهم أو في دور عبادتهم، وستسكب حكومة تل أبيب ما تريده في عقول الفلسطينيين سواء في مناهج الدراسة أو في خطب الجمعة!!
هذا البند تحديدا لا يستحق- في تقديري- السخرية بقدر ما يحتاج إلى استشعار الخطر، فنتانياهو هنا يتحدث عن محاولة لتغيير بعيد المدى للذهنية الفلسطينية التي تؤمن بحقيّ المقاومة والعودة، ولا تزال ترى في الإسرائيليين – رغم كل جرائم القتل والتدمير والإرهاب بشتى الصور- سوى محتل غاصب سيزول لا محالة.
يحاول “بيبي”- كما يحلو للرئيس الأمريكي بايدن تسميته- هو ويمينه العنصري المتطرف أن يستلهم الدرس الأهم من من تاريخ راعيته وراعية كيانه الصهيوني: الولايات المتحدة، وهو أن الإبادة الجماعية للشعب الأصلي صاحب الأرض، هي الضمانة الوحيدة لاستقرار أي كيان استيطاني.
هذا بالضبط ما فعله المستوطنون من شراذم أوروبا الذين جاؤوا إلى الأراضي الأمريكية فأبادوا السكان الأصليين وأقاموا دولتهم على جثامين أصحاب الأرض، بل والأدهى أنهم صنعوا من تلك الإبادة الجماعية أسطورة لتمجيد بطولات القتلة عبر أفلام هولويود!!
أما الدرس الثاني فهو محاولة تغيير ذهنية الشعوب الخاضعة للاحتلال بقوة الألم، والتجربة نُفذت بالفعل بعد الحرب العالمية الثانية، عندما استخدم الجيش الأمريكي القوة المفرطة لإقناع الألمان بالتخلي عن الأفكار النازية، كما استخدمت “راعية الديمقراطية في العالم” القنبلة الذرية لضرب المدنيين اليابانيين بهدف تغيير الأفكار عبر كي الجسد!!
هكذا يفكر نتانياهو وعصابته من الإرهابيين، في إعادة تطبيق الدرس الأمريكي القديم على الفلسطينيين في غزة والضفة الغربية، يحلم أن يبني جيشا من الخونة والعملاء في صفوف الفلسطينيين، يحكمون باسمه، وينصاعون لإرادته، ويتناسى أن هذا الشعب استطاع الصمود لعقود طويلة في وجه الآلة العسكرية الإسرائيلية، ويواجه بصلابة تدعو للفخر، وبقوة تحمل تدعو الضمير العالمي إلى أن يشعر بالخزي والعار، دون أن يركع أو يتخلى عن قضيته وأرضه.
يتناسى نتانياهو أن راعيته وولية نعمته هو وكيانه الصهيوني، فشلت بكل قوتها الإمبراطورية في إخضاع شعب فيتنام، رغم قنابل النابالم التي أمطرت بها أجساد الأطفال، وأنها خرجت تلملم أذيال الخيبة من أفغانستان، بينما يحاول من تبقى من “طابورها الخامس” التعلق بعجلات طائرة جنود “المارينز” الفارين، الذين اصطحبوا كلابهم، بينما لم يكن يجدوا مكانا ليقلوا المتعاونين مع الاحتلال!
على نتانياهو أن يجيد قراءة تاريخ كيانه بصورة أفضل من تعمقه في قراءة التاريخ “الأمريكاني”، فطفل الانتفاضة الذي كان يقذف جنود الاحتلال بالحجارة في الانتفاضة الأولى عام 1987، بات اليوم قائدا يجيد اصطياد جنود الاحتلال كما تُصاد الجرذان، فما بالك بطفل اليوم الذي يلهو في العراء ببقايا ما تلقيه طائرات الـ F16 من قنابل؟!
سيأتي اليوم الذي نصلي فيه صلاة العيد في المسجد الأقصى، بعد أن نطهره من دنس الاحتلال، تماما مثلما فعل “صلاح الدين” وجنوده بعدما غسلوا جدران “الأقصى” بماء الورد عقب دحر الصليبيين وتحرير بيت المقدس، وتلك الخطبة لن يكتبها نتانياهو، بل ستكتبها يد عربية قوية موحدة ومتماسكة.
د. أسامة السعيد