وهم كبير يملأ حياتك أفضل من لا شيء.(احسان عبد القدوس)
حين قال تشيخوف في مسرحية الخال فاريا واصفا ضياع العمر مع الشخص الخطأ والمكان الخطأ والإختيارات الخطأ.
(أن ترتبط بإنسان لم ولن يفهمك في يوم من الأيام وتبقى صديقا مخلصا للغربة رغم أنفك ، أن تدفع الثمن باهظا لقرار اتخذته في يوم من الأيام وتوقعت أن أثره انتهى فإذا بك ترى العمر كله يتوشح بالسواد نتيجة لهذا القرار )
حين قال ذلك كان يريد منك أن تكسر الصندوق.
(لاتقص جناحيك لأنهما لم يتسعا في الصندوق المعد لك من قبل مجتمعك ،اكسر الصندوق وحلق)
لكن ماذا لو لم تتمكن من كسر الصندوق لسبب أو لآخر؟!
وماذا لو كسرت الصندوق ثم اكتشفت بعد أول محاولة لرفرفة جناحيك بأنهما قد تحجرا من طول البقاء بلاحراك داخل الصندوق ؟!
وقد تحولت إلى نعامة،طائر فقد القدرة على الطيران!
ماذا لو اكتشفت بعد رحيل العمر بأنك كنت تطارد خيط دخان!
وأنت المحارب القديم ،أنت الوحيد الفائز بالحياة من بين مائة وثمانين مليون حيوان منوي ماتوا جميعهم خلال الرحلة بعد أن نفدت طاقتهم أو التهمتهم خلايا الدم البيضاء الدفاعية وأخوتك الذين أحاطوا بالبيضة المغرورة قد سخرت منهم فماتوا بالخيبة بينما أنت الوحيد الذي فتحت لك أبوابها ومنحتك الحياة.
كيف لمحارب قديم مثلك أن يستسلم ويضع أسلحته جانبا ويرضى بالموت البطيء داخل الصندوق!!!
كيف لمحارب مثلك أن يستسلم للحزن والخيبة بعد أن كسر الصندوق لكن متأخرا بألف عام بتأريخ غرغوري عن الوقت المناسب للإختيار الصحيح!!
عليك أن تعلم أن لاحقيقة في هذا الكون، الوهم هو السعادة المطلقة.
يسافر ضوء النجوم الميتة ، وبروعة ضؤها تبدو حية.
تنظر للأعلى فترى النجوم وتبتسم وأنت لاتدري أنك تبتسم لجثة نجمة كانت هنا يوما ما.
وصديقك الشاعر المتيم بروعة زرقة السماء ينظم القصائد للونها الأزرق المشرق ينسى أنها محض خدعة وأنه لون الطيف البنفسجي والأزرق المخزون في الغلاف الجوي ومن شدة قصره الموجي تشتت وتبعثر في كل مكان تحت أشعة الشمس فكسا السماء والبحار والمحيطات بلون أزرق خلاب
ظاهرة ريليه(Rayleih scattering).
خدعة ، وهم، سعادة الوهم.
الموج الأزرق في عينيك يناديني نحو الأعمق .
غازلها نزار قباني ،غازل تلك العينين الزرقاوين الساحرتين ونسي أنهما محض قزحية مخيفة تفتقر إلى صبغة الميلانين فهي بلالون أساسا وما لونهما الأزرق سوى استطارة وتشتت للون الطيف الشمسي الأزرق ..ظاهرة ريليه.
وهم ..جمال الوهم.
مداح القمر ،عاشق ليالي الصبر مداح القمر
غازلنا القمر ، ونحن نعلم في قرارة أنفسنا أنه كوكب صخري مرعب تملأه الحفر والأخاديد وقد سرق بعض من ضياء الشمس وراح يتفاخر به ليلا..
وهم ..وهم
ماذا لو اكتشفت ضياع العمر وكل ماحصلت عليه هو عكس ماكنت تحلم به!
أمامك طريقان ..
أما أن تتحول إلى كائن حاقد حاسد تتذمر وتشكو طوال الوقت.
أو أن تسلك سبيل الخلاص من حياتك والذي لم يسلم منه حتى العظماء كألبير كامو وأرنست همنغواي وياسوناري كوناتا عبقري الرواية اليابانية.
فحين حل ماركيز ضيفا في ستوكهولم ليتسلم جائزة نوبل أخبره الموظف السويدي متفاخرا بأن هذا الطابق من الفندق قد سكنه البير كامو وأرنست همنغواي وياسوناري فهرب ماركيز من الفندق ولم يسكن ذلك الطابق لأن جميع من ذكرهم الموظف من الحاصلين على نوبل قد انتحروا!!
تقول سيمون بوفوار (عليك أن تجرب الحياة كما تجرب امرأة صنع شال من الحرير)
فالمكتئب لايمكنه نزع الكلب الأسود الجاثم على صدره أو أن يرى الحياة بمبي كما قالت سعاد حسني حتى لو وضعته في الريف الإيطالي أو السويسري أجمل بقاع الأرض لأنه سواده نابعا من داخله.
لن يتمكن أحد من اعتلاء ظهرك إلا إذا انحنيت.
لابأس إن لم تتمكن من كسر الصندوق أو كسرته ثم اكتشفت أنك قد خسرت قدرتك على التحليق.
اصنع وهما لنفسك ،دللها، اسمح لهرمونات السعادة الإندورفين والسيروتونين والدوبامين بالتدفق
أحط نفسك بغرفة زجاجية متخيلة ترقص فيها ألوان قوس قزح السبعة .
اصنع عالمك الخاص وهمك السعيد .
فالكون كله قائم على الأوهام
خداع بصري
فحتى سيزيف لم يكن مظلوما ولم تتدحرج الصخرة منه قبل وصولها لقمة الجبل بل كان ماكرا يترك الصخرة تنزلق للأسفل قبل وصولها لقمة الجبل ليستمر في دحرجتها صعودا لمرات ومرات خلاصا من إله الموت الذي بعثه زيوس لينتظر سيزيف عند سفح الجبل ويقبض روحه بعد أن يتم مهمته ويضع الصخرة على القمة .
لاتزال هنالك صباحات مشرقة لتعيشها، فراشات ملونة لتطاردها، أزهار فواحة لتشمها، كتب رائعة لتقرأها.
اصنع وهمك الخاص وعش سعيدا حتى نهاية الرحلة.