صارت الأتمتة منهجًا تلتزم به مؤسسات الدولة المصرية بما يُعد ضمانة في الحصول على نتائج تتسم بجودتها؛ حيث تتم المعالجات عبر التقنية الرقمية وأجهزتها المتطورة بصورة مستدامة، وفي مجالنا التعليمي وجدنا أن تطبيقات الذكاء الاصطناعي بدأت تنتشر ويتسع توظيفها عبر منصات وبيئات رقمية يلامسها التحسين والتطوير في الخصائص والوظائف؛ فأضحت أدوار المتعلم تفاعلية تحثه وتحفزه تطبيقات ذات خصائص ذكية على ممارسة مهارات التفكير بأنماطها المختلفة وفق طبيعة الموقف أو القضية أو المشكلة التعليمية طي الطرح.
ويفرض الواقع التعليمي الآني ضرورة لا مناص عنها، تتمثل في سعينا الحثيث والمستمر تجاه اكتساب مهارات استخدام وتوظيف تطبيقات الذكاء الاصطناعي في تخصصاتنا استجابة لأمور صارت مفروضة علينا، يأتي في مقدمتها طبيعة المتعلم الذي صار رقميًا؛ فلديه شغف واهتمام بالغ حيال التعامل مع التقنية الرقمية وتطبيقاتها اللامتناهية، ثم لا ينبغي أن نغفل التطور التقني متسارع الوتيرة والذي نستطيع أن نحقق من خلاله نتائج غير مسبوقة ترتبط بما نود اكسابه من خبرات للمتعلم ويعود علينا بتنمية مهنية مستدامة.
ووظيفية تطبيقات الذكاء الاصطناعي تساعد في تحقيق الأهداف الإجرائية للمحتوى التعليمي من خلال المزج بينها وبين استراتيجيات التدريس المناسبة لطبيعة المحتوى وخصائص المتعلمين لإكسابهم الخبرات التعليمية المتضمنة بمحتوى التعلم، وبالطبع يُسهم ذلك في إعانة وتمكين المعلم من تصميم مواقف تعليمية جديدة (مهام الأنشطة التعليمية)، تحقق المزج التام؛ فتصبح البيئة التعليمية ذكية صالحة لكل من التعلم الفردي والتشاركي، كما يبقى التعلم المتمركز حول المتعلم.
والتجارب السابقة جراء توظيف واستخدام تطبيقات الذكاء الاصطناعي أشارت إلى أن هناك مزايا عديدة ومتنوعة، نذكر منها مرونة وقت التعلم، والقدرة على توسيع مشاركات العينة المستهدفة وتنويع الخبرات ومصادرها وحسن التواصل بين طرفي العملية التعليمية ومن ثم توطيد العلاقات الاجتماعية فيما بينهم والقضاء على ظاهرة الفروق الفردية من خلال ضمان المشاركة الكلية لمهام تناسب القدرات والخصائص، ناهيك على خفض الكلفة مقابل العائد.
وعلى أية حال هناك ممارسة متميزة لمهارات متقدمة من قبل المتعلم تبدو جلية في ماهية البحث والاستقصاء والاستنتاج وعمق قراءة وملاحظة التفاصيل وسبر للتفكير يؤدي لمزيد من الإنتاجية، يقابل ذلك معلم لديه آليات مبتكرة ليقدم من خلالها تغذية راجعة في وقتها المناسب، وتواصل يوصف بالبناء مع متعلمه، وأساليب متنوعة تؤدي إلى إثارة تفكير متعلمه ودافعية مستدامة؛ وبهذا نرى أن اليوم الدراسي أضحى مليئًا بالفعاليات التي تدحض الكلل أو الممل أو ضعف المقدرة على اكتساب خبرات تعليمية مستهدفة، وباتت حالة من الرضا متبادلة بين المعلم والمتعلم على السواء.
وحري بالذكر أن خبرة المعلم تكمن في تحويل تطبيقات الذكاء الاصطناعي إلى استخدامات يطغوا عليها سهولة الاستخدام من قبل المتعلمين؛ فيصبح توظيف قدراتهم العقلية غالب على مساهماتها، ومن ثم يتوفق الذكاء البشري على الاصطناعي بمزيد من الإنتاجية المتفردة؛ حيث ينمو عمق التفكير وتطفو ملامح الابتكار في صورة أفكار تتسم بالجدة والإصالة ويكسوها تفاصيل تحثنا على استكمال مسيرة البحث والتقصي بما يحقق ماهية حب الاستطلاع العلمي، كما يتنامى الاهتمام بصقل المهارات العملية عبر بيئة يسهل فيها التجريب والقدرة على الخروج بنتائج ذات جدوى.
ودعونا نقر بأن النشاط التعليمي يشكل مجموعة المهام التي يخططها المعلم، ويؤديها المتعلمين، في صور فردية أو جماعية، والمشتقة من المحتوى التعليمي لموضوع التعلم، والتي يتحقق بواسطتها أهدافه الإجرائية المحددة سلفاً، ويتضمن في طياته البعد الزمني وأدوار المشاركين والتعليمات والإرشادات المرتبطة بطبيعة المهام، وآليات التقويم التي تحدد أنماط التعزيز أو التغذية الراجعة.
وعليه يشكل النشاط التعليمي الممارسة الفعلية التي يؤديها المتعلم، وتترجم الأهداف الإجرائية التي تم صياغتها، ويرجى تحقيقها بواسطة المتعلم منفرداً أو بمشاركة زملائه، وتحت إشراف المتعلم، وفي ضوء طبيعتها تحدد مداخل، أو طرائق، أو أساليب، أو استراتيجيات التدريس، وأساليب التقويم، وآلية تنفيذ المهمة (فردية _ جماعية)، والتغذية المرتدة، ونمط التعزيز؛ لذا يأتي أهمية تناول أسس الصياغة بالصورة التي تتسق مع تطبيقات الذكاء الاصطناعي من حيث الوظيفة وضمانة الحصول على نواتج تعلم منشودة.
ويأتي في مقدمة أسس الصياغة تحديد الأنشطة التعليمية بما يتفق وحاجات المتعلمين وطبيعتهم ويحقق أهداف تعلمهم، وهذا لا ينفك عن صياغتها في صورة مهام بسيطة قابلة للتنفيذ من قبل المتعلمين في البيئة الرقمية ومن خلال تطبيقات الذكاء الاصطناعي المختارة، ومن ثم يجب أن يراعى عنصر المرونة فتصلح تنفيذ المهمة بشكل فردي أو تعاوني، وأنه يمكن تحويلها من البيئة الافتراضية لبيئة التعلم الواقعية والعكس.
وتؤكد أسس الصياغة في أنشطتنا التعليمية عبر المنصات الذكية وتطبيقاتها على أن يكون لكل متعلم دوراً واضحاً عند تنفيذ الأنشطة التعليمية، وبالأحرى نراعي أن توزيع الأنشطة والمهام بحيث تناسب مجموعات المتعلمين المتواجدة ببيئة التعلم الذكي الافتراضي أو التقليدي؛ فلا يصح أن نترك متعلم دون مهمة يؤديها؛ فيصبح متفرغًا لأن يحدث مشكلات أو يمارس سلوكيات غير مرغوب فيها أثناء فترة التعلم، كما يجب ألا نتجاهله فيشعر بتدني الذات أو يضعف لديه مقومات تحمل المسئولية، والعزوف عن المشاركة.
ورغم عناصر التشويق وتعددها في تطبيقات الذكاء الاصطناعي؛ ألا أنه يجب أن نحرص في تصميماتنا لأنشطتنا التعليمية أن تكون ذات صلة بحياة المتعلم قدر المستطاع؛ فيستشعر أهميتها وضرورة اكتسابها، ومن ثم يمارس مهارات التفكير من خلالها وأن يكون لديه استعداد نفسي تعليمي لأن يحقق مراد التعلم.
وهناك بعض الأسس التي تراعي في صياغة الأنشطة التعليمية عبر تطبيقات الذكاء الاصطناعي تزيد من ضمانة تحقيق أهدافها المخطط لها سلفًا؛ حيث ضرورة وضع تعليمات داخلية واضحة وبسيطة؛ لتنفيذ كل نشاط على حدة، والهدف منه، والزمن اللازم لتحقيقه، وإجراءات تنفيذه، ومراعاة الفروق الفردية بين المتعلمين عند تحديد مهام الأنشطة التعليمية؛ بالإضافة إلى أهمية وضع أنشطة بديلة حال إذا لم تحقق الأنشطة الرئيسة الهدف منها.
ومن الأسس التي تراعي البُعد التربوي والتقني في آن واحد وتعمل على أن يؤدي المتعلم مهام الأنشطة التعليمية بكفاءة واقتدار صبغها بالتعزيز الذي يتناسب مع طبيعة تلك المهام ويسهم في تعميق ماهية التعلم؛ بالإضافة لوضع تغذية راجعة مناسبة لمهام الأنشطة التعليمية حال عدم تحقق أهدافها، وتقويم يؤكد لنا مدى تحقق ما رسمناه من أهداف وما سلكناه من أطر للتحسين والتجويد.
حفظ الله وطننا الغالي وقيادته السياسية الرشيدة أبدَ الدهر.
أستاذ ورئيس قسم المناهج وطرق التدريس
بكلية التربية بنين بالقاهرة _ جامعة الأزهر