أضحت تطبيقات الذكاء الاصطناعي جزءً أصيلًا من تقنيات التعليم، وباتت تنوعاتها الذكية بمثابة آليات فاعلة لمواجهة التحديات التي تتعرض لها العملية التعليمية، سواءً تمثلت في كثافة عددية، وضعف تجهيزات، وندرة أدوات، وصعوبة في التنقل بغرض تنفيذ أنشطة مرتبطة بواقع حياتي أو ميداني، ناهيك عن تضخم معلوماتي؛ نتيجة لاكتشافات متتالية في ضروب ومجالات العلم على المستويين البحثي والتقني، في ضوء مطالبات تؤكد على ضرورة أن يكتسب المتعلم خبرات التعلم وفق ما تتضمنه من تفاصيل عميقة، وما تنسدل عنه من مهارات يتوجب أن يصل فيها المتدرب لمستويات الإتقان المنشودة؛ ليصبح التعليم حقيقيًا ومتميزًا.
وفي هذا الإطار يتوجب على أهل التربية وخاصتها استثمار تطبيقات الذكاء الاصطناعي اللامتناهية في تصميم بيئة تعليمية تحض أبنائنا المتعلمين على الإبحار في خبرات تعليمية تحمل في طياتها عناصر التشويق والإثارة والمتعة والرغبة في طلب المزيد منها، وهذا بالضرورة يجعلها تناسب قدرات وخصائص المتعلم وخطوه الذاتي نحو اكتساب الخبرات التي يتعرض لها؛ فلا مجال للحرمان في عصر صار التعلم فيه متاحًا كونه يتضمن مهام أنشطة تعليمية مرنة ومتعددة وتتسق مع مستويات التفكير لدى الفرد، ومن ثم نحكم بالقطع على أنه لا توجد مهمة مستحيلة في خضم طرائق وأساليب تقديمها المتعددة والمتلونة والتي تتقابل مع كافة القدرات والفروق بين الفئات المستهدفة.
ونرى الأمر سهلًا هينًا؛ فلا يتوجب علينا أن نقوم بتغيير للمناهج ومقرراتها المحدثة منها كي تناسب وتلائم التطبيقات الذكية؛ لكن المطلوب على وجه التحديد إعادة الإمعان فيما نقدمه من خبرات متعلمة وفق تلك الأوعية الذكية؛ لينهل منها المتعلم ويستوفي احتياجاته التعليمية وفق قدراته، وذلك يجعلنا نفكر مليًا في خطوات تصميم مهام النشاط التعليمي الذي نقدمه له؛ ليحدث الأثر المرتقب منه، ويحقق المعادلات التي قد نرى أن بينها مفارقات؛ حيث توفير الوقت والجهد، ودعم المناخ التعليمي، وتفعيل الأدوار بين طرفي العملية التعليمية؛ بالإضافة لجودة التعلم المقدم.
ونود التأكيد على أن الأنشطة التعليمية وما تتضمنه من مهام معنية بالمتعلم، وللمعلم فيها أدوار معلومة لا يتجاوزها؛ لضمان تعديل السلوك المنشود في اتجاهه الصحيح، وبداية التصميم دائمًا ندركها عندما نقوم بتحديد الخبرة التعليمية المراد إكسابها للمتعلم والمتضمنة بالمحتوى التعليمي في موضوع التعلم، مشفوعة بالهدف الإجرائي المرتبط بها، وهذا يتطلب منا تجنب تعقيد الهدف؛ فكلما كانت المهمة واضحة وبسيطة نضمن أن يؤديها المتعلم بسهولة ويسر ومن ثم يكتسب الخبرة بصورة متدرجة.
وهنا يأتي دور الخبرة في المجال التقني؛ حيث اختيار التطبيق الذكي الذي يحوي الممارسات التي يتوجب على المتعلم أداؤها من خلاله، ولا ريب بأن المعلم قد قام بمرحلة التجريب قبل التعميم وارتأى أن خطوات التنفيذ من خلال التطبيق المختار تناسب المتعلمين وخصائصهم وطبيعة المحتوى، ومن ثم وقع عليه الاختيار، ولا ضير في الاستعانة بأهل التخصص التقني وأربابه في ترشيح التطبيق الذكي المناسب لموضوع الخبرة المستهدف إكسابها للمتعلمين.
وثمت متطلبات ينبغي توافرها لنضمن تنفيذ مهام النشاط التعليمي عبر التطبيق الذكي، قد يكون منها أدوات ومواد افتراضية تضاهي ما نقوم بتنفيذه في بيئتنا التعليمية الواقعية، وفي المقابل نتيقن من امتلاك المتعلم مهارات تنفيذ تلك المهام من خلال تلك البيئة الذكية، ولا يجب أن نتجاهل تفاصيل المهام التعليمية؛ فمن المفترض أن تحمل كل مهمة سلوكاً واضحاً، أو دوراً محدداً يؤديه المتعلم بصورة منفردة أو تشاركية.
وعند تصميم مهام الأنشطة المتعلمة لا بد من مراجعة دقيقة لقدرات واهتمامات وميول المتعلمين، وأنها متسقة مع طبيعة مهام الأنشطة في صورتها الافتراضية عبر التطبيق الذكي الذي تم اختياره؛ بهدف التأكد من صلاحية تلك المهام للمتعلمين أولًا، ومناسبة البيئة الرقمية لموضوع الخبرة وتفصيلات ممارستها؛ لنتحصل على منتج تعليمي متميز.
إن تحديد أدوار المعلم قبل وأثناء وبعد تنفيذ المهام المرتبطة بالنشاط في البيئة الرقمية عبر التطبيق الذكي أضحى أمرًا ضروريًا يُسهم في نجاح الأهداف المرسومة سلفًا، ولا يجب أن تتعدى تلك الأدوار حدود التسهيل، أو التيسير، أو التعزيز، أو تصويب الخطأ، أو المتابعة التي تضمن تحقيق تنفيذ المهام بالصورة الصحيحة بما يؤكد ثمرتها المرجوة، وننوه بأن تعدي المعلم على أدوار المتعلم قد يؤدي إلى سلبيات يصعب معالجتها فيما بعد، منها صعوبة تحمله المسئولية وتنامي الاتكالية والاعتماد السلبي وضعف تقدير أهمية ما يقوم به من مهام وظيفية، ومن ثم قلة الرغبة في الاستزادة والتعمق في غور خبرات التعلم المرتبطة بمجال بعينه.
ولا ريب من أن التقويم باستخدام أدوات مقننة مهم للغاية للتحقق من أوجه تعلم الخبرة في مستوياتها المعرفية والمهارية والوجدانية، وهذا يحمل المعلم مسئولية إعداد أدوات قياس متنوعة، منها الاختبارات المعرفية وبطاقات الملاحظة ومقاييس التفكير بمستوياتها وأنماطها، ناهيك عن مقاييس التقدير الذاتي وحب الاستطلاع العلمي والاتجاه نحو البيئة الرقمية أو الافتراضية وما تتضمنه من تطبيقات للذكاء الاصطناعي، ونؤكد على أن شمولية التقييم تضمن تمكين المعلم من أن يعمل بشكل مستدام على تطوير البيئة التعليمية؛ لتواكب التغيرات التقنية ومفردات وعناصر البيئة التعليمية.
ولا نغالي في آلية التصميم إذ نتحدث عن ضرورة توافر معايير لتقويم النشاط التعليمي يدركه المتعلم جيدًا؛ كي يراعي ما يقوم به من أداءات وممارسات مطلوبة منه؛ فقد نرى أنها من مسببات النجاح إذا ما أخذت في الاعتبار عند مرحلة التصميم المشار إليها، وهذا يحتم علينا الاهتمام بتوفير أنماط التعزيز التي تتناسب مع البيئة الذكية لكل مهمة أو مجموعة مهام يقوم بها المتعلم، تجعل المناخ التعليمي أكثر تفاعلية وإيجابية.
وفي جنبات التصميم نحسب للتغذية الراجعة مكانها وأهميتها لكل مهمة بالنشاط تقدم على الفور حال تعذر المتعلم القيام بها أو أن تواجهه صعوبة لم تكن في الحسبان، وهذا أيضًا يجعلنا نهتم ببلورة نتائج المهام المرتقب تحقيقها من النشاط للتأكيد عليها في نهاية الوقت المحدد للنشاط التعليمي.. ودي ومحبتي للجميع.
حفظ الله وطننا الغالي وقيادته السياسية الرشيدة أبدَ الدهر.
أستاذ ورئيس قسم المناهج وطرق التدريس
كلية التربية بنين بالقاهرة _ جامعة الأزهر