تمر منطقتنا العربية بظروف استثنائية يتوجب فيها أن تتضافر جهود الدول كي تتغلب على ما تواجهه من تحديات وتوقف الصراعات المتوالية على الساحة؛ فرحى الحرب الدائرة قد تمتد فتطال أطرافًا عديدة، مما يتسبب في مزيد من الخسائر، وشيوع الفوضى جراء اقتتال يدفع لمزيد من الدمار، وهدم ماهية السلام، وخوض المسار العسكري الذي يضار منه الجميع دون استثناء.
وما يجري على ساحة النزاع بين إسرائيل وفصائل المقاومة الفلسطينية يدل على أن الكيان الصهيوني يمارس أبشع جرائمه ويرتكب ممارسات لا تمحها الذاكرة ما بقيت السماوات والأرض؛ فصورة الانتقام والعقاب الجماعي الذي نال الأطفال والنساء والعجائز والإصرار على هتك حرمة الإنسانية والسعي بكل الحيل والمسارات والطرائق المقيتة على التهجير القسري سيظل في الوجدان.
إن ما نراه من صورة الدمار الذي طال كل حجر وبشر في غزة تحديدًا وما مارسته إسرائيل من منهجية التجويع والتشريد والتهديد والقتل والترويع والتهجير يؤذي الضمير الجمعي العالمي الحر، وأقصد بذلك من يمتلك مقومات الإنسانية لا من يتغنى بها؛ فهم كثيرون وصوتهم عال وفعلهم فاضح؛ فمن يتغنى بحقوق الإنسان ليس بإنسان.
وما تستهدفه القمة العربية في دورتها “33” التي انعقدت بمملكة البحرين استكمالًا للجهود المنصرمة بغية إيقاف نزيف الدماء والوصول لمرحلة الاستقرار والإذعان بماهية العدل والحق التي شرعتها الأديان وأقرتها المواثيق الدولية؛ حيث إن المسار السياسي على المستوى العربي تحاول بكل قوة وصبر وحلم أن تقوم بواجبها حيال وقف ما تستهدفه إسرائيل من عمليات عسكرية تعقبها الهلكة في مدينة رفح الفلسطينية والعمل على إيقاف المساعدات أملًا في تحقيق أهداف أضحت واهية، بل ومستحيلة.
إن موقف جمهورية مصر العربية ثابت ولن يتغير؛ فلا تهجير ولا تصفية مهما دارت الدوائر؛ فالأرض دونها الدماء والرقاب، ومن ثم نجد العالم كله يقدر ويثمن هذا الموقف النبيل الذي لم يتغير أو يضعف رغم ما يمارس من ضغوط سواءً أكانت مباشرة أم غير مباشرة، وتكريمًا للزعماء العرب فقد رأينا الورود تنهال عليهم في صورة تبهج القلب؛ حيث تؤكد على محبة التجمع والتضافر من أجل نصرة قضية العرب الكبرى التي لم ولن تتخل مصر عنها مطلقًا.
لقد أكد السيد الرئيس عبد الفتاح السيسي على مسلمات لا ينبغي لعاقل أن يتجاهلها؛ فذكر في فحوى حديثه العطر أن الحروب محصلتها صفرية وأن مقدرات الشعوب لا يستهان بها، وأن الدولة المصرية تاريخها حافل بمواقف ساهمت في تبديد الظلام ونشر السلام، كما ناشد سيادته صوت العقل الجمعي في المجتمع الدولي بأسره، والتي ينبغي عليها أن تقف أمام إيقاف هذه الحرب والتي تزداد تبعاتها بشكل متسارع؛ فما زال الرهان على عدالة النظام الدولي قائمة.
وفي هذا الخضم أكد الرئيس على ضرورة المزيد من التضافر والتكاتف كي يتحقق العدل ويعم السلام المنطقة بأسرها؛ فحياة الإنسان مقدسة ولا تمييز أو عنصرية؛ فالجميع سواء، ومن ثم يتوجب العمل على إيجاد حلول تتسم بالإجرائية توقف الحرب المدمرة ضد الفلسطينيين، وبالطبع ينالون حقوقهم المشروعة والمتمثلة في إقامة دولتهم المستقلة، على خطوط الرابع من يونيو ١٩٦٧م وعاصمتها القدس الشرقية.
وبيان قمة البحرين يؤكد على الموقف العربي الجامع؛ فمسألة التعاون في تحقيق الأمن والاستقرار وتحقيق التنمية الشاملة المستدامة في المنطقة وتلبية احتياجات وآمال وطموحات الشعوب العربية أضحى أمر استراتيجيًا لدى الحكام والملوك والزعماء العرب قاطبة؛ فالجميع يمتلك الرغبة والطموح في بلوغ حد الرفاهية للشعوب، وما يهدد دولة عربية يعد حجر عثرة أمام الجميع؛ إذ تحكمنا مشاعر الأخوة والمحبة المتبادلة.
ولا شك أن قوة البيان يدل دلالة قاطعة على استكمال المسيرة من أجل تحقيق الغايات والتي من أولوياتها وقف العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة وإنهاء الكارثة الإنسانية، كما أن التعاون العربي لن يتوقف من أجل الدفاع عن مصالح الدول العربية وشعوبها.
حفظ الله وطننا الغالي وقيادته السياسية الرشيدة أبدَ الدهر.
أستاذ ورئيس قسم المناهج وطرق التدريس
كلية التربية بنين بالقاهرة _ جامعة الأزهر