تتباين احتياجات ومتطلبات مجالات التنمية المستدامة من فترة لأخرى؛ فرغم توافر الخطط الاستراتيجية للدولة؛ إلا أن هناك ما يحدث تغيرًا ملموسًا في المراحل والخطوات المرسومة سلفًا، وهذا يستوجب أن يكون الفكر القيادي مرنًا، ومن ثم ينبغي أن يمتلك القائد مهارات التفكير الاستراتيجي بشكل وظيفي؛ فيستطيع أن يتجاوز معوقات الزمن، ويتغلب على التحديات والأزمات الطارئة؛ حيث لا مجال للروتين أو الإجراءات المعقدة إذا ما كنت هناك رغبة صادقة وقوية للانطلاق وكسر الحواجز البيروقراطية.
وندرك أن كل مرحلة جديدة تتطلب من القائد أن يعمل على إعادة هيكلة دولاب العمل بالدولة؛ فتراجع وتقيم الجهود المنصرمة وما أسفرت عنه من إنجازات، كما ينظر بعين مدققة للتشريعات المنظمة لهيكل العمل، ومن ثم يعمل القائد بالتوجيه المباشر على تغيير ما يعطل أو يعرقل أو يحد من فعالية مسار العمل في مجالات الدولة التنموية، وهذا من شأنه يشكل دافعية وحافز للقوى البشرية، ويؤدي بالضرورة لمزيد من الإنتاجية والنمو المضطرد، كما يحدث نقلات نوعية في العديد من المجالات الخدمية والتنموية على حد سواء.
ومن يمتلك الابتكار ومهاراته الفرعية دومًا ما يرغب ويفضل أن يعمل في بيئة خلاقة ليس بها ما يجفف أو يضعف من الأفكار البناءة التي تُسهم في الدفع بعجلة التنمية بشتى صورها، والقائد المبدع قادر على إيجاد مقومات المناخ الداعم لعمليات الابتكار، والعمل على تفعيل مسبباته بإرادة قوية تساعد مؤسسات الدولة الرسمية منها وغير الرسمية أن تحقق طفرات غير مسبوقة فيما تؤديه من أعمال سواءً أكانت تعود بالنفع المباشر على المواطن أو تصب في مصلحة الدولة العليا.
وهناك تساؤل يجول في الخواطر فحواه: ما صورة منهج صناعة القائد التي تحقق غايات الدولة وفي مقدماتها نيل رضا الشعب؟، وهذا يحتاج بالضرورة لفقه الأولويات؛ حيث رؤى المستقبل ومراعاة الحاضر بكل مكوناته ومتطلباته وتحدياته؛ فليس هناك معزل أو حد فاصل فيما بينهما، وهنا يحتاج القائد لأن يضع الإجراءات التي من شأنها تخلق التنافسية المستدامة، والتطلع للريادة بمزيد من العمل المنتظم والجهود المتواصلة بكل مؤسسات وقطاعات الدولة دون استثناء، وبفكر استراتيجي مرن تصبغه مفاهيم البناء والنهضة.
ومن أسرار تقدم الدول ونهضتها تبني قيادتها فكرة الشراكة في سياجها المستدام، ويصعب أن يتم هذا الأمر بعيدًا عن تعضيد العلاقات الدولية بصورة مستمرة دون كلل أو ملل؛ فالزيارات والاستضافات التي تتم من خلالها عقد بروتكولات وتعاون مشترك من شأنها أن تؤدي لتبادل خبرات علمية وتقنية ومهنية تكتسبها القوى البشرية والتي تُعد قاطرة النهضة وعمادها في البلاد، كما تعظم من مقدرات الدولة المادية؛ فيتم توطين العديد من الصناعات التي تجد لها مقومات ودعم لوجستي من قبل الدولة والدول المشاركة فيها.
ويتوقف نجاح القائد في مسيرته تجاه نهضة الوطن وازدهاره على مقدرته في جذب جموع الشعب حول مائدة نهضة الدولة، وهذا مرهون برغبة التواصل والتفاعل مع الجميع دون استثناء عبر الإعلام أو مباشرة من خلال اللقاءات والاحتفالات القومية وفي زخم الأحداث؛ فلا يمنعه عائق أو يحول دونه حائل بينه وبين شعبه الذي يشكل الظهير القوي، ومؤسسات الوطن التي تعتبر بمثابة الداعم الرئيس لاستراتيجية الدولة؛ حيث إن اصطفاف الجميع حول القائد وخلف كيان الدولة يتوقف على إيمان الشعب بفكر القائد ورشده وقدرته في الحفاظ على مقدرات الوطن.
ويطمح القائد من خلال منهجية إدارة شئون الدولة في أن يؤهل المزيد من القادة الذين يتحملون مسئولية مستقبل الأمة في شتى مجالاتها، وهذا أمر جلل يتطلب أن تدشن المؤسسات التي تستهدف تحقيق الغاية المحمودة تلك؛ فالخبرات تصبح مقصودة الاكتساب عبر استراتيجيات وطرائق تتبناها برامج معدة بحرفية ومهنية عالية المستوى من خبراء في مجالاتهم النوعية؛ فبالعلم والتدريب المستمر تصقل المهارات ويتمتع الفرد الذي يحمل لواء القيادة بخصائصها بعد مروره بمراحل ليس بالبسيطة؛ ليصبح قادرًا على أن يتحمل تبعات الإدارة ومخاطرها ومسئوليتها الجمة من خلال مقدرة في صنع القرار ومن ثم اتخاذه دون تردد.
والعلاقة بين المرونة والرؤى الطموحة في منهج صناعة القائد تتجلى بوضوح في استطاعته على أن يحقق غايات الدولة وأحلام الشعب، وفق فلسفة تعضيد القيم الوطنية في النفوس؛ لضمان التماسك المجتمعي الذي يصبح حاضرًا حال تعرض الأمن القومي لأي تهديد داخلي كان أم خارجي؛ فقد أضحت قيمة الإخلاص مرسخة لقيم الولاء والانتماء وحب عبق تراب الوطن؛ فتصبح الملكية العامة أهم وأبقى من الملكية الخاصة، وشرف الدفاع عن مقدرات الدولة غاية وأمل يملئ النفوس؛ فلا مكان للمزايدات ولا مجال للشعارات الزائفة، وليس هناك قوس منزع للخلافات أو التدخلات الخارجية تحت أي مسمى.
وشهادة حق يحكم عليها التاريخ بأن الدولة المصرية تعيش عصر المرونة والرؤى الطموحة من قيادة سياسية رشيدة تكابد وتجتهد وتستعين بالله القدير على تحقيق وتلبية احتياجات الشعب العظيم الذي اصطبر على بناء الدولة ومسار إنجازاتها المتمثلة في مشروعاتها القومية التي نجني ثمارها الآن بالعديد من الاستثمارات الضخمة في ربوع الوطن الحبيب.. ودي ومحبتي.
حفظ الله وطننا الغالي وقيادتنا السياسية الرشيدة أبدَ الدهر.
أستاذ ورئيس قسم المناهج وطرق التدريس
كلية التربية بنين بالقاهرة _ جامعة الأزهر