وتغير التصنيف يعبر على ان مصر قامت بتخفيض مخاطر التمويل وتشديد شروطها وزيادة حجم الاحتياجات التمويلية. التقدم الجيد في خطة تخارج الدولة من الأصول وفقا لوثيقة سياسة ملكية الدولة. وتحجيم وصول الدين العام لمستويات مرتفعة وتراجع احتياطات السيولة الخارجية. وتثبيت سعر الصرف وتحريره لوقف التغيرات المتتالية فيه نقص العملة الأجنبية وتراجع تدفقات النقد الأجنبي الخارجية. إن قرارها جاء على خلفية انتقال الحكومة المصرية أخيرا إلى سياسة سعر صرف مرنة، وتشديد السياسة النقدية، والتمويل الإضافي من المؤسسات المالية الدولية، وعودة تدفقات غير المقيمين إلى سوق الدين المحلية، ما اعتبره وزير المالية المصري محمد معيط بأنه “شهادة ثقة بالاقتصاد”.
وترتبط قدرة المصريين على تحمل الصعوبات المالية بمدى شفافية الحكومة والكف عن الوعود بأن الشارع اقترب من جني ثمار صبره على التقلبات الاقتصادية، وعليها التعامل بحكمة وواقعية والسيطرة على الغلاء ليشعر الناس بعوائد الصفقات والتحسن في التصنيف الائتماني، وإلا سوف تظل متهمة بتخدير الرأي العام سياسيا.
شهد الاقتصاد المصري خلال الفترة الأخيرة تحولًا مهمًا في نظرة وكالات التصنيف الائتماني العالمية، وذلك بعد تنفيذ الحكومة المصرية حزمة من الإصلاحات الهيكلية الجريئة. فقد عدلت وكالة “إس آند بي” للتصنيف الائتماني نظرتها المستقبلية لمصر إلى إيجابية من مستقرة، مع تثبيت تصنيفها لديون مصر عند”B-/B”. كما غيرت نظرة وكالة “موديز” للتصنيف الائتماني للاقتصاد المصري من “سلبية” إلى “إيجابية”. ويأتي هذا التحول مدعومًا بمجموعة من العوامل الرئيسية، أبرزها تدفق الاستثمارات الدولية الضخمة التي حصلت عليها مصر مؤخرًا، والتي تجاوزت 50 مليار دولار. ساهمت هذه الأموال في تعزيز احتياطيات العملات الأجنبية، ودعم خطط الحكومة لضبط أوضاع المالية العامة.
وتلعب الإصلاحات الاقتصادية الجريئة دورًا محوريًا في تحسين التوقعات، حيث ساعدت خطط تحرير سعر الصرف ورفع أسعار الفائدة على استقرار أسواق الصرف والحد من التضخم. كما لعبت مساهمة الاستثمار الأجنبي المباشر “الكبيرة جدًا” من قبل حكومة الإمارات دورًا رئيسيًا في هذا التحول، حيث ساعدت على “تعزيز احتياطيات الاقتصاد من النقد الأجنبي بشكل كبير لتغطية فجوة التمويل الخارجي”. وتُشير الوكالات إلى أنّه في حال استمرت السلطات المصرية في التزامها بإصلاحات الاقتصاد الكلي، بما في ذلك مرونة سعر الصرف، فإنّ ذلك سيعزز من ثقة المستثمرين ويدعم النمو الاقتصادي على المدى الطويل.
أن التدفقات الاستثمارية الأخيرة والمتوقعة خلال الفترة المقبلة في ظل برنامج الإصلاح الاقتصادي المدعوم من صندوق النقد الدولي، تخفف الضغوط التمويلية، لافتةً إلى التزامها بتنفيذ استراتيجية أكثر استهدافًا لوضع معدلات الدين والعجز الناتج المحلي في مسار نزولي من خلال وضع سقف لأول مرة لدين الحكومة العامة بكل مكوناتها يتراجع سنويًا؛ استهدافًا للانخفاض لأقل من 80% في يونيه 2027، إضافة إلى إطالة عمر الدين، مع ترشيد الإنفاق الاستثماري العام للدولة في العام المالي الجديد بوضع سقف أيضًا بتريليون جنيه؛ لإفساح المجال للقطاع الخاص، مع العمل المتواصل على زيادة الإيرادات العامة وجذب المزيد من التدفقات الاستثمارية.
ومراقبة حجم الضمانات السيادية الصادرة، والضمانات المطلوبة، لما تشكله من التزامات محتملة على الموازنة العامة للدولة، وكذلك العمل على مراجعة كافة الضمانات المطلوبة والتفاوض على شروطها وخفض رصيد الضمانات السيادية للناتج المحلي الإجمالي ابتداءً من العام المالي المقبل؛ على نحو يسهم في تحقيق المستهدفات التنموية». تحقيق مؤشرات مالية إيجابية خلال التسعة أشهر الماضية، تترجم الجهود المبذولة لإرساء دعائم الانضباط المالى حيث فاقت نتائج الأداء المالى فى الفترة من يوليو إلى مارس ٢٠٢٤، التقديرات والمستهدفات الموازنية، وسجلنا فائضًا أوليًا بقيمة ٤١٥ مليار جنيه بمعدل ٢,٩٪ من الناتج المحلى الإجمالي مقارنة بـ ٥٠,١ مليار جنيه بمعدل نصف فى المئة «٥, ٪» فى نفس الفترة من العام المالي الماضى، بنسبة نمو سنوى أكثر من ٨ مرات ونصف، وتحقيق عجز كلى ٥,٤٢٪ من الناتج المحلى الإجمالي.
تعهدت الحكومة المصرية إزاء التقارير الدولية الماضية باستمرار الانضباط المالي وتحقيق المستهدفات المالية لعام 2022-2023 رغم الصدمات الخارجية الكبيرة والمركبة، مشيرة إلى أنه لولا تغير سعر صرف الجنيه أمام الدولار لكان انخفض الدين إلى الناتج المحلي هذا العام لأقل من 80% بدلا من 95%. وعدلت وكالة “فيتش” للتصنيف الائتماني يوم الجمعة، النظرة المستقبلية لمصر من “مستقرة” إلى “إيجابية”. وأكدت تصنيف مصر عند “-B”، مشيرة إلى انخفاض مخاطر التمويل الخارجي وقوة الاستثمار الأجنبي المباشر. وفي آذار (مارس)، وافق صندوق النقد الدولي على دعم مالي موسع لمصر بقيمة ثمانية مليارات دولار. وقال مسؤول في صندوق النقد الدولي الشهر الماضي إن برنامج قروض الصندوق مع مصر من شأنه أن يساعد البلاد في خفض عبء ديونها تدريجياً. وفي شباط (فبراير)، حصلت مصر على استثمار عقاري بقيمة 35 مليار دولار من الإمارات لتطوير مشروع “رأس الحكمة” على ساحل البحر المتوسط.
وقالت “فيتش” إن الخطوات الأولية لاحتواء الإنفاق خارج الموازنة من شأنها أن تساعد في الحد من مخاطر القدرة على تحمل الدين العام. وأضافت “فيتش” في بيان: “ستكون مرونة سعر الصرف أكثر استدامة مما كانت عليه في الماضي… وهو ما يعكس جزئياً مراقبتها الوثيقة في إطار برنامج تسهيل الصندوق الممدد (الموقع بين مصر والصندوق) والذي يستمر حتى أواخر عام 2026”.
وعدلت وكالة “موديز” للتصنيف الائتماني نظرتها المستقبلية لمصر إلى “إيجابية” في أوائل مارس، في حين أبقت تصنيفها دون تغيير بسبب ارتفاع نسبة الدين الحكومي وضعف القدرة على تحمل الديون مقارنة بنظيراتها. وتظل الاستفادة السياسية بالنسبة إلى الحكومة من تحسن التصنيف الائتماني في انتصارها معنويا على خطاب قوى المعارضة الذي استغل النظرة السلبية السابقة للإيحاء بأن الحكومة قادت البلاد إلى الانهيار، خاصة أن أسوأ تصنيف لمصر كان قبل عام عندما خفضت وكالة “فيتش” التصنيف الائتماني إلى سلبي لأول مرة منذ عام 2013.
كلما تحسنت فرص العملة المحلية في الصعود، كلما اجتذبت استثمارات في محافظ الأوراق المالية والتي كانت تتجاوز 20 مليار دولار في وقت سابق عقب تعويم الجنيه في عام 2016، وبالتالي قد تشهد السوق المصرية تدفقات دولارية في محافظ الأوراق المالية. شهدت مصر مؤخرًا تحولًا مهمًا في مسارها الاقتصادي تمثل في تنفيذ الحكومة المصرية لعدد من الإصلاحات الهيكلية الجريئة، والتي نالت استحسانًا كبيرًا من قبل المجتمع الدولي، مما أدى إلى تزايد دعم المؤسسات الدولية للاقتصاد المصري. ويأتي في مقدمة هذه المؤسسات صندوق النقد الدولي، الذي قام برفع قيمة برنامج التمويل الممنوح للبلاد من 3 مليارات دولار إلى 8 مليارات دولار.
كما أشار رئيس الوزراء إلى أنه عقب توقيع الاتفاق مع “الصندوق” تستطيع مصر التقدم إلى صندوق المرونة والاستدامة التابع لصندوق النقد الدولي للحصول على قرض بنحو 1.2 مليار دولار ليصل إجمالي القرض المقدم من الصندوق عقب التوقيع إلى 9.2 مليارات دولار. وأوضحت رئيسة بعثة صندوق النقد الدولي إلى مصر خلال مؤتمر صحفي أن الحزمة التمويلية للصندوق تهدف إلى الحفاظ على الاستدامة ومنظومة سعر الصرف في مصر، مضيفة أن مصر أبدت التزامها “القوي” بالعمل بشكل سريع على مستوى جوانب الإصلاح التي يدعمها الصندوق.
ولم تقتصر المساعدات الدولية على صندوق النقد الدولي فقط، بل حظيت هذه الإصلاحات الهيكلية بدعمٍ دوليٍّ كبيرٍ من قبل الاتحاد الأوروبي ومجموعة البنك الدولي. فقد تعهد الاتحاد الأوروبي بتقديم حزمة مساعدات بقيمة 7.4 مليارات يورو (8.1 مليارات دولار) إلى مصر، وتتضمن حزمة الاتحاد الأوروبي 5 مليارات يورو من القروض الميسرة، و1.8 مليار يورو من الاستثمارات في مشاريع تتعلق بالطاقة المتجددة والأمن الغذائي. وهناك أيضًا 600 مليون يورو في شكل منح، ثلثها مخصص لـ “إدارة الهجرة”. ويهدف هذا التمويل إلى دعم جهود الحكومة المصرية في تحقيق التنمية المستدامة وتعزيز الاستقرار في المنطقة.
دكتور القانون العام والاقتصاد الدولي
ومدير مركز المصريين للدراسات بمصر ومحكم دولي معتمد بمركز جنيف للتحكيم الدولي التجاري
وعضو ومحاضر بالمعهد العربي الأوربي للدراسات السياسية والاستراتيجية بفرنسا