قال تعالى في كتابه العزيز (وَأَذِّن فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَىٰ كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ لِّيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ..)”الحج، 27، 28″، وفي هذا الركن العظيم تكمن ماهية التكامل بين باقي الأركان الخمسة؛ حيث مرحلة التجرد والخشوع واللجوء لله وترك متاع الدنيا بمشتملاته؛ لتصبح الأفئدة متقدة تطلب وترجو وتطمح في العفو والمغفرة وصلاح الحال والمآل في مشهد مهيب يهز الكيان ويزلزل الوجدان؛ فمن يسعى لأداء تلك الفريضة فإنه ينشد كمال النفس ليدرك من خلالها أن الدنيا دار الفناء والأخرة دار المستقر والبقاء.
وتمام فريضة الحج بأداء المناسك له محامد يصعب حصرها ويطول شرحها؛ لكن نذكر منها أنها تملؤ حياة الإنسان بالخير والبركة وتزيده مقربة من الطاعات، ومن ثم التقرب إلى الله؛ فينال التوفيق والسداد فيما ينتوي من ضروب الخير والإعمار في الأرض، ويحرص على تحقيق ماهية الإتقان فيما يعمل؛ لأن جودة الأداء معيار قبولها على الصعيدين المادي والمعنوي؛ فقد تشرب من زار بيت الله الحرام سر الإخلاص في أداء كل شعيرة ومنسك؛ فاليقن قائم على طلب الرضا والقبول من رب السماء.
وحري بالذكر أن من يؤدي فريضة الحج متحملًا المشقة والتعب والنصب كي يستوفي أركانها، ويجني ثمرتها؛ فإن هذا يعينه لا ريب من أن يكون حريصًا على الطهر والتقوى ومحاسبة النفس بصورة مستدامة؛ ليستوقف هواها، ويكبح مطالبها الدنياوية، ويحثها ويرغبها في سبل الخير والعمل له، لتمتلئ الصحيفة بحسن الأعمال؛ فلذلك وهبنا الحياة، ومن أجل ذلك نسير على دروب الهدى؛ لنتقي مسالك الشيطان، ونركن على الرحمن؛ فننال الأجر والمثوبة.
إن من لبس رداء الإحرام، الذي يشير إلى الطهر والنقاء، ويؤكد على صفاء النية والمسعى، مرددًا بيقين وقلب حاضر “لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك”، لا تشكل له الدنيا مطلبًا؛ وإنما انشغاله مع من خلق السماوات بلا عمد، يطلب العفو ويناله، ويطلب المغفرة فيمنح إياها؛ فهنيئًا لك سيادة الرئيس على تمام أداء تلك الفريضة، ونسأل الله في علاه أن يتقبل مسعاكم وممشاكم ويوفقكم لسبل الخير أبد الدهر.
وما أجمل أن يهاجر الرئيس قاصدًا زيارة رسولصلى الله عليه وسلم، متبركًا وطالبًا الدعاء في المقام الشريف في أن يوفقه لسبل الخير والرشاد لوطنه وبني أمته، وأن يعينه على تحمل المسئولية واستكمال مسيرة الإعمار، وأن يصلح من شأنه ويقوي من عضده؛ لينصلح الحال والمآل؛ لتحيا الأمة في عزة وكرامة، وتعيش في مناخ آمن مستقر؛ كي تؤدي رسالتها، وتفخر بأمجادها.
وفريضة الحج نرصد خلالها صورة مبهرة تدل على توحد الأمة؛ فلا مجال للفرقة في ضوء متغيرات لا يقرها رب العزة وشرائعه السماوية؛ فالرباط عمود القوة وبه نبلغ الغاية؛ فما احوجنا أن نتوحد من أجل تحقيق الإعمار والخروج من حالة العوز إلى التكافل والاكتفاء القائم على تضافر في البنيان بكل تنوعاته؛ فهذه رسالة جلية المعنى والمغزى كثيرًا ما أشار إليها الرئيس لتصبح مصر والوطن العربي ومن يرغب بالانضمام في تماسك وترابط، وتعيش الشعوب في رغد ومحبة لا ينال منها ماكر، أو يغدر بها وبمقدراتها غادر.
وتذكرنا فريضة الحج بأننا في أشد الاحتياج لأن نرجع إلى سماحة الأديان والتمسك بالأخلاق والقيم، والتي تُعد سفينة النجاة في عالم بات يموج بالمشكلات؛ نتيجة لغياب الضمير؛ حيث لاحت في الأفق مظاهر غير محمودة منها الأنانية، وانتشار الفساد، وخراب الذمم، وهجران العبادة ومناسكها؛ فنرى أنه قد قل عمل دعاة الرحمة وحاملي شعاع النور والهداية، وانتشرت مقومات الإفساد؛ فنبتهل إلى الله جميعًا أن يمنحنا الرشد والهداية على صراطه المستقيم، إنه ولي ذلك والقادر عليه.
وفي النهاية ندعو الله أن يتقبل منكم سيادة الرئيس طاعتكم، وأن يعينكم على بلوغ الغاية وتحقيق المقصد وفق ما يحبه ربي ويرضى، وأن يسدد رميتكم في كل وقت وحين، وكل عام وأنتم إلى الله تعالى أقرب وعلى طاعته أدوم..ودي ومحبتي لوطني وللجميع.
حفظ الله وطننا الغالي وقيادته السياسية الرشيدة أبدَ الدهر.
أستاذ ورئيس قسم المناهج وطرق التدريس
كلية التربية بنين بالقاهرة _ جامعة الأزهر