رؤية سلبية يضمرها أبناء الحضارة المسيحية الأوروبية لموقف الإسلام من قضية تعدد الزوجات. وإن كان أنه لا يجوز لمسلم أن يستجيب لهذه الرؤية السلبية بأي نوع من أنواع التأثر، فالأصل أن التشريعات الدينية تختلف من دين إلى آخر ومن حق أصحاب كل ديانة أن يلتزموا بتشريعات ديانتهم طالما أنها لا تمس الآخرين أو تضرهم على أساس ديني أو عنصري. وفي تقديري أن إرساء قيمة الاحترام المتبادل بين الديانات وتشريعاتها، يجب أن يكون الصيحة العالمية السائدة. في هذا الإطار رأيت أنه من الضروري تعريف النخب العربية بتشريعات الزواج في الديانة اليهودية، وهي تشريعات تظهر صريحة في مؤلفات قديمة وجديدة تتضمن مواد التشريع المدني في الفقه اليهودي، التي اعتمدتها “المجالس الملِّية اليهودية” ومحاكم الأحوال الشخصية اليهودية في أنحاء العالم منذ وقت مبكر قبل أكثر من ألف سنة.
لقد قدم المرحوم ألاستاذ الدكتور “حسن ظاظا” أستاذ الدراسات العبرية، صورة واضحة لتشريعات الزواج اليهودي في كتابه المعنون “الفكر الديني اليهودي.. أطواره ومذاهبه”. وبيّن أستاذنا اعتماداً على كتاب باحث فرنسي يدعى “جان دي بولي”، وهو كتاب صدر عام 1896 بعنوان “القانون المدني والجنائي في اليهودية”، وكذلك اعتماداً على كتاب أصدره حاخام يهودي عاش في مصر ويدعى الحاخام “حاي بن شمعون” عام 1912، طبيعة التطور التشريعي المتعلق بتعدد الزوجات في الديانة اليهودية.
و أن تعدد الزوجات جائز في اليهودية، وأنه لم يرد بتحريمه نص واحد لا في الكتاب المقدس ولا في التلمود. استناداً إلى المرجعين المذكورين، أن العادة كانت جارية بين اليهود على اتخاذ أكثر من زوجة، كما أنه لا يوجد في الشريعة اليهودية أي نص على حد أقصى لعدد الزوجات اللاتي يحل للرجل أن يعقد عليهن.
ومن الواضح أن إباحة تعدد الزوجات بدون حد أقصى للعدد في اليهودية، كان يستهدف زيادة أعداد اليهود، حيث إن الشريعة اليهودية تعتبر الزواج فريضة على كل يهودي وتنظر نظرة سلبية إلى الذين يبقون عزّاباً، وكذلك تحرم زواج اليهودي أو اليهودية من غير اليهود، يستوي في ذلك المسلمون والمسيحيون والوثنيون والزنادقة، حفاظاً على ما تعتبره انتماءً عصبياً أو عرقياً يهودياً.
ولقد اضطر المقنن اليهودي في أوروبا المسيحية تحت ضغط الاضطهاد، الذي وجه إليهم من جانب المسيحية الأوروبية، التي تحرم تعدد الزوجات تحريماً مطلقاً، إلى إصدار فتوى تحاول تجنيب اليهود هذه المشاعر الأوروبية المعادية. من هنا أطلق حاخام يسمى “جرشوم بن يهودا” في عام 960م، وكان يعيش في ألمانيا، فتوى تحرم على اليهود تعدد الزوجات كنوعٍ من التقية لاتقاء الضرر في البلاد الأوروبية، وقد صادقت محاكم الأحوال الشخصية اليهودية على فتوى “جرشوم” بعد اقتناعها بما فيها من مصلحة في عام 1240م.
أما في بلاد أفريقيا وآسيا وحيث كانت الشريعة الإسلامية سائدة، فقد وجد الحاخامات أنه لا ضرورة للتحريم البات لتعدد الزوجات.
الشريعة اليهودية قبل قيام الكيان الصهيونى “إسرائيل”، كانت تتكيف وتتلون مع ظروف المجتمعات التي يعيش فيها اليهود، أما اليوم في الكيان الصهيوني “إسرائيل” فنجد تعدد الزوجات بدون حد أقصى قائماً. وعلى سبيل المثال، فإن مدير مستشفى “هداسا” الذي كان يعالج فيه شارون متزوج من امرأتين وهو أوروبي الأصل. أما نحن في العالم الإسلامي، فغير مضطرين للتلون أو التخلي عن شريعتنا تحت أية ضغوط.