رغم هول الموقف وصعوبة الموضع؛ إلا أن التضحية في سبيل إنقاذ الوطن كانت الجائزة الكبرى التي نشدها قائد مسيرة النهضة والإصلاح؛ فالانتماء والولاء للتراب غالٍ، والحفاظ على كيان وكينونة الدولة، كان الأمل والعقيدة حينها؛ فلا مجال للتراجع أو التردد عندئذ في اتخاذ قرار تحرير الشعب من قبضة جماعة لاحت أحلامها في الأفق؛ لتهيمن وتسيطر وتأمل أن تحقق غاية الخلافة.
لقد بذلت الدماء الذكية كي يتنفس الوطن الحرية ويزول عن سمائه أصحاب الفكر المسموم الذين يرضون في عقيدهم ماهية الدولة ويعضدون فكرة واحدة قائمة على الاستحواذ وتسخير كافة المقومات لبناء إمبراطورية المزعومة؛ ففي سبيلها يعقدون المؤامرات ويحاكون المكائد ليقع الشعب فريسة في غيابات النزاع وتتفكك لحمته ويصير السيطرة على مقدراته المادية والبشرية في متناول مخططاتهم ومرمى أهدافهم على المدى البعيد؛ فلا تورع ولا ضمير يستوقف مأربًا سرطانيًا خبيثًا.
وليس هناك شك في اعتماد من اتخذ قرار تحرير الوطن من وطأة جماعة الظلام على جيش عظيم يمتلك عقيدة راسخة ومعلنة مفادها حماية الدولة ومقدراتها المادية منها والبشرية على السواء وحماية حدودها البرية والبحرية والجوية؛ فمن المعلوم أن ولاء هذه المؤسسة المجيدة وانحيازها للشعب صاحب الشرعية والتشريع، وهذا ما أدي لنصرة ونصر هذه الثورة المباركة التي أطاحت ودمرت غيث أحلام المتآمرين وبعثرت جهودهم فصار خيط دخان.
ولم تتوقف عطاءات تلك المؤسسة العظيمة شريفة المقصد حيال دعم مسيرة النهضة والتنمية المستدامة التي صارت واقعًا معاشًا نستمتع بمفرداتها؛ ففرض الأمن والأمان وحالة الاستقرار بعد دحر الإرهاب والقضاء عليه كان اللبنة الرئيسة التي ساهمت في توحيد الرؤى وتآزر الجهود لتدشين مشروعات الدولة القومية التي أظهرت صورة المستقبل المشرق والذي يحمل الخير لشعب صامد صاحب عزة وشموخ، ولأجيال الغد التي لها حقوق ينبغي أن تصان.
وقد كشفت الثورة المجيدة أعداء الداخل والخارج في آن واحد؛ فهناك من عاون تلك الفئة الضالة واحتضن رؤوس مخربيها وقدم له الدعم على الصعيدين الداخلي والخارجي، وهناك من استخدام الآلة الإعلامية بية استكمال مسيرة تزييف الوعي وتشتيت الشمل وتفكيك المؤسسات الوطنية وبث الفرقة والكراهية بين أبناء الوطن الواحد، وهناك من كابد ليفشل مسيرة التنمية ويجتز حصادها اليانع مستخدمًا معول التقليل والتقزيم وإنكار عظيم الإنجازات كي يحدث تشويه للصورة المزدهرة المليئة ببوادر الأمل والحاملة لماهية الإعمار والنهضة.
لكن الإرادة الحرة والمسئولية الوطنية وحب الوطن وتنامي قيم الولاء والانتماء وعشق الدفاع والتضحية من أجل الحفاظ على الدولة، كل هذا أبطل المؤامرات والمخططات التي حيكت سواء من الداخل أو الخارج، بل سادت روح التوحد والاصطفاف حول قائد المسيرة، ومن ثم فوض فيما يتخذ من إجراءات للحفاظ على ماهية الوطن واستقراره مهما كلف الأمر.
ونقر بأن هناك تعدد للأدوار؛ فقد الجميع بواجبه على الوجه الأكمل؛ فأضحى التناغم بين الشرطة والشعب والجيش جليًا في الوقوف ضد من سولت لهم أنفسهم وأرادوا هدم مؤسسات الدولة وتسخير مقوماتها لصالح مساعيهم، والتحكم في كافة مجالات التنمية وأبعادها؛ كي يتم إضعاف إرادة الوطن ومن ثم يحدث الاستسلام لعقود تلو عقود ويعبث أصحاب الهوى في ربوعه متناسيين تاريخه المجيد وحضارته الأصيلة.
إن شعار الحفاظ على الدولة المصرية وتأمين مقدراتها المادية والبشرية خلال الثورة تغنى به العالم بأسره، وهو الشعب والجيش والشرطة يد واحدة؛ فلم يستطع إرهاب الجماعة أن ينال منها وكافة منشآتها الحيوية؛ فهناك من توقع مزيدًا من الاعتداءات المحتملة حينها في تلك الأوقات العصيبة، من خلال سلاح الذعر والترهيب وبث الفتن والذي ظهر في خطاب رموزهم.
ومن ثمرات ثورة 30 يونيو أنها كشفت عن أصالة الشعب المصري العظيم، ووعيه لدور جيشه الباسل وشرطته صاحبة شرف البطولات والتضحية والفداء، ومن ثم صارت ملحمة التصدي يدرسها التاريخ وموعظة لكل من تسول له نفسه استعداء هذا الوطن الكبير، الذي يزخر بالعطاء وأصحاب الفكر والبناء؛ فالجهود ستظل قائمة للنهوض بمقدراته والحفاظ على مكتسباته.
إن هذه الثورة المجيدة أمدت الأمة المصرية الطريق إلى النهضة من خلال تضافر الجهود والالتفاف حول الدولة ومؤسساتها الوطنية وتقديم الدعم بكافة صوره لتصبح الجمهورية الجديدة قادرة على تحقيق أحلام وتطلعات الشعب الأصيل وقادرة على توفير مقومات المستقبل لأجيال تلو أجيال يحافظون على تاريخها ويصونون جغرافيتها ويرفعون من قدرها بين مصاف دول العالم.. ودي ومحبتي لوطني وللجميع.
أستاذ ورئيس قسم المناهج وطرق التدريس
كلية التربية بالقاهرة _ جامعة الأزهر