من الشخصيات التى لا يتم الحديث عن الهجرة النبوية دون التعرض لدورها التاريخى فيها هى شخصية سراقة بن مالك. ذلك الرجل الذى يتم ذكره باعتباره قد طمع فى مكافأة المائة ناقة التى قررتها قريش لمن يعثر على محمد (صلى الله عليه وسلم) وعلى صاحبه الصديق أبى بكر عندما هاجرا من مكة المكرمة فى طريقهما للمدينة المنورة.
حاولت قدر الإمكان تجميع بعض المعلومات عن سراقة فوجدت أغلبها تؤكد أن سراقة لم يكن شخصاً فقيراً مثلاً ليطمع فى تلك الجائزة، بل كان سيداً فى قومه وكبيراً لهم. فهو سيد بنى مدلج وأحد أشراف قبيلة كنانة. وظنى أن تتبعه لسيدنا محمد وصاحبه جاء من باب الوجاهة والمغامرة لشخص معروف عنه فراسته وفروسيته إضافة إلى قدرته فى تتبع الأثر، كما أنه كان شاعراً مجيداً، وربما كان يطمع فيما هو أكثر من تلك الجائزة المادية كأن يحصل مثلاً على مكانة أكبر على مستوى قريش كلها بعد أن حقق على مستوى القبيلة أعلى مستوى من المكانة والسيادة.
تقول كتب التاريخ إن سراقة من فرط حماسته ونشوته قفز على جواده من على سطح بيته لينطلق باحثاً عن الرسول وصاحبه ونجح فى ذلك بالفعل ولحق بهما فى منطقة تسمى الجعرانة وتقع بين مكة والطائف غير أنه قبل أن يقترب تماماً منهما فوجئ بالفرس يقذفه من على ظهره، عاود سراقه امتطاء الفرس من جديد لكنه ألقى به مرة اخرى. كرر سراقة المحاولة وفى كل مرة يجد نفسه وقد طرحه الفرس أرضاً بل فى آخر محاولة وهو على ظهر حصانه فوجئ سراقة برجل الفرس وقد غرزت فى الأرض لا تقوى على الحركة. وهنا أدرك الرجل أنه يطارد وفداً غير عادى فتوقف عن المحاولة موقناً أن محمد وصاحبه فى أعين الله. وهنا يهتز قلب سراقة ويتحول من شخص كل همه مطاردة الرسول وإبى بكر إلى شخص آخر كل همه حمايتهما من بطش قريش. تغير قلب سراقة من مُطارد لرسول الله إلى حارس أمين على سلامته، فراح يضلل قريشاً ويخبرهم بأنه لا أثر يُقتفى لمحمد وصاحبه وظل على هذا الحال حتى اطمأن لوصول الرسول عليه الصلاة والسلام للمدينة المنورة قبل أن يعلن إسلامه ويلحق بهما. لقد وعد رسول الله (صلى الله عليه وسلم) سراقة بارتداء سوارى كسرى وهو ما تحقق فى عهد عمر بن الخطاب ثانى الخلفاء الراشدين عندما فتح سعد بن أبى وقاص المدائن وأرسل سوارى كسرى وتاجه للخليفة عمر الذى ألبسهما لسراقة تنفيذاً لوعد النبى.
حكاية سراقة مليئة بالعبر، حتى لو قالت بعض الكتب بعدم صحة بعض تفاصيلها، لكن اتفقت جميع الروايات على صحة مطاردته للرسول وأبى بكر ثم تحوله لحماية الركب. وهنا – من وجهة نظرى – تبرز أهم العبر، تلقى سراقة الرسالة الربانية ولم يكابر فيتحول قلبه إلى النقيض تماماً، وإذا به لا يفكر مطلقاً فى المائة ناقة ولا ما ينتظره من تكريم قريش له، ولكن أصبح كل همه كيف يساعد الرسول فى الوصول للمدينة لتكون مقراً لانطلاق الإسلام فى العالم كله. هجر سراقة كبره وعناده وطموحاته الزائفة فأدى للإسلام دوراً عظيماً جعل اسمه بارزاً فى لوحة الشرف الأعظم ويا له من شرف.