على عكس التوقعات المشائمة بشأن إمكانية إنهاء الحرب في غزة بعد تولي يحيى السنوار رئاسة المكتب السياسي لحماس خلفا للشهيد إسماعيل هنية، فإن هناك توقعات وتحليلات مغايرة تشير إلى أن اختيار السنوار قد يكون هو البشرى بإنجاز صفقة الاتفاق، رغم صدمة إسرائيل من هذا الاختيار، وتصنيفها للسنوار بأنه الرجل الأخطر عليها في المنطقة، وتجييش ما تملك من مال وسلاح وقدرات استخباراتية وعلاقات دولية للقضاء عليه، حتى وصل الأمر بوزير خارجيتها (يسرائيل كاتس) إلى الدعوة لتصفيته سريعا ومحو حماس من الخارطة.
من تلك التحليلات المغايرة ما نشرته صحيفة (فاينانشيال تايمز) البريطانية في افتتاحيتها يوم الخميس الماضي، بأن حل الأزمة الحالية ربما يكون في يد السنوار، الذي “يسيطر على جميع مفاصل حماس على المستوى الداخلي والخارجي، ويتحكم في الجزء الأكثر فاعلية في حركة المقاومة، وهذا ما قد يساعد على التوصل إلى اتفاق مع إسرائيل”.
وترى صحيفة (جيروزاليم بوست) الإسرائيلية أن اختيار السنوار لرئاسة حماس قد يؤدي إلى المزيد من المرونة التي تخدم الصفقة، ويكون الأفضل لوقف الحرب، وتقول في ذلك: “إن اختيار السنوار جاء مفاجئا، إذ لم يكن اسمه مطروحا على الطاولة أثناء اختيار خليفة لإسماعيل هنية، ومن الوهلة الأولى يبدو الاختيار محيرا، إذ لا يتضح كيف يمكن للسنوار قيادة الحركة داخل نفق أو أي مخبأ آخر في غزة، لكن مارأيناه منذ السابع من أكتوبر الماضي يؤكد أنه صانع القرار الحقيقي في حركة حماس، وأن الصفقة بأكملها في يده”.
ومن وجهة نظر الصحيفة فإن “السنوار له علاقات طيبة مع القيادات الفلسطينية فى الضفة الغربية، ويرى أن مصر هي الوسيط الأهم في عملية التفاوض، وهذه العلاقات الجيدة سوف تؤدي إلى الإسراع من وتيرة إنجاز الصفقة، خاصة أن القاهرة من الوسطاء المؤيدين بقوة للاتفاق”.
ثم تشير الصحيفة إلى عامل آخر قد يجعل اختيار السنوار حلا للأزمة، وهو أن الرجل لديه من الصلاحيات مالم يتوفر لسلفه، فهو يجمع بين منصبي رئيس المكتب السياسي لحماس وزعيم الحركة في غزة، ولذلك هناك أمل في أن يتمكن من إحراز تقدم كبير فى اتجاه إبرام الاتفاق.
ووفقا لما نقله موقع شبكة (بي بي سي) البريطانية عن مصادر فلسطينية مطلعة فإن اختيار السنوار جاء لاعتبارات براجماتية، حيث إنه يرتبط بقواعد شعبية فى الضفة الغربية المحتلة، وقادر على التواصل مع جميع الفصائل الفلسطينية، وكثيرا ماسعى لإصلاح العلاقات بين السلطة الفلسطينية وكل من حركتي فتح وحماس، وقد انتهج خلال فترة رئاسته لحماس في غزة سياسة (تصفير الخلافات) على المستويين الداخلي والإقليمي، وتمكن من إصلاح علاقة حركته مع مصر والسعودية وسوريا.
وكانت إسرائيل قد أبدت انزعاجا كبيرا عندما أعلنت حماس اختيار السنوار رئيسا للمكتب السياسي، نظرا لما تعرف عنه من تشدد وصرامة، لكن أكثر ما أثار قلق الإسرائيليين ذلك الاحتفاء الفلسطيني والعربي بقرار الاختيار، الذي ظهر فى رد الفعل الشعبي السريع عبر مواقع التواصل الاجتماعي، وبيانات المباركة والترحيب التى صدرت عن الفصائل الفلسطينية، بما فيها حركة فتح المنافسة، إذ قال أمين سر اللجنة المركزية لفتح (جبريل الرجوب) إن هذا الاختيار “يعتبر ردا منطقيا ومتوقعا على اغتيال الشهيد إسماعيل هنية”.
وبسبب هذا الانزعاج استنفرت دوائر الأمن والسياسة الإسرائيلية، لعلمها أن الصراع مع (حماس السنوار) سيدخل مرحلة أشد عنفا، وسيقابل التصعيد الإسرائيلي بتصعيد مماثل، خصوصا أن الرجل يحظى بتأييد كبير وصلاحيات واسعة، واختياره لموقعه الجديد جاء سريعا وبالإجماع، على غير ما كانت تتوقع إسرائيل التي سعت لإحداث شروخ بين قيادات الحركة بعد الدمار الرهيب الذي لحق بغزة على مدى عشرة أشهر من الحرب.
وعلى مستوى المحللين السياسيين ساد اعتقاد بأن حماس أرادت باختيار السنوار أن تبلغ إسرائيل بأن تشدد نتنياهو في المفاوضات سيواجه بتشدد السنوار، وبأنها جاءت برجلها القوي ليكون صاحب القرار، ويجمع في يديه سلطة القائد العسكري الميداني ورئاسة المكتب السياسي، وفق نظرية أمير المؤمنين عمر بن الخطاب: “رمينا أرطبون الروم بأرطبون العرب”، وكان يقصد بأرطبون العرب عمرو بن العاص قائد جيش المسلمين.
لكن مصير الصفقة في الواقع لا يتوقف على مرونة السنوار أو تشدده، فهناك على الجانب الآخر يقف نتنياهو الذي لايكف عن التصعيد والتهرب من أي حلول سياسية، مما دفع صحيفة (واشنطن بوست) الأمريكية إلى القول بأنه أحبط الجميع بسبب مراوغاته المتكررة، بدءا من الرئيس بايدن وأعضاء الكونجرس والشعب الأمريكي وأسر الرهائن ومئات الآلاف الذين يخرجون إلى شوارع إسرائيل احتجاجا على إطالة أمد الحرب، وحتى وزير الدفاع يوآف جالانت ورئيس الأركان هرتسي هاليفي ورئيس جهاز الأمن الداخلي (الشاباك) رونين بار، والوسطاء وفريق المفاوضين الإسرائيليين، الذين أبدوا اعتراضهم أكثر من مرة على الطريقة الملتوية التي يتعامل بها معهم.
لقد تحدى نتنياهو العالم كله، وأخذه غروره إلى أن يدعو لحل الأمم المتحدة التى أعطت إسرائيل شرعية الوجود من لا شرعية، ويتجاهل القوانين والقرارات الدولية، ويتحدى محكمة العدل الدولية التي أمرت بوقف الإبادة الجماعية، والمحكمة الجنائية الدولية التى توعدت بمحاكمته كمجرم حرب، ويتهم الأونروا (منظمة غوث وتشغيل اللاجئين) بالإرهاب، ويقتل رجالها ويضرب مقارها.