تبذل وزارة الثقافة المصرية في الآونة الأخيرة جهودًا غير مسبوقة من خلال ما تقدمه من برامج ومشروعات وفعاليات بكافة مؤسساتها وقطاعاتها بربوع الدولة؛ كي توفر ماهية معنى وقيمة الحياة لدى المجتمع المصري بشتى أطيافه ومختلف أعماره؛ ليصبح الفرد متحملًا للمسئولية محبًا لتراب وطنه ساعيًا وفق قدراته وما لديه من ملكات نحو تحقيق ذاته، ومن ثم يصبح مترجمًا لأفعاله وممارساته وما يمتلكه من اتجاهات إيجابية في خضم وجدانيات تتسم بالرقي، وأفئدة يغمرها الرضا والمحبة.
وما يدركه الجميع أن للإنسان طاقتين تتصارعان إحداهما إيجابية والأخرى سلبية، وهنا يأتي دور الوعي الثقافي الذي يمد الفرد بالبنى المعرفية الصحيحة؛ ليستطيع أن يرجح غلبة أحدهما على الآخر، وهذا ما تقوم عليه فلسفة العطاء اللامتناهي من قبل مؤسسات الدولة الوطنية وفي طليعتها وزارة الثقافة التي تقدم كل يوم وكل فترة من الزمن متلونًا من الفعاليات والبرامج المعضدة لقيم الولاء والانتماء في نفوسنا وأبنائنا، بما يقدم سرًّا من أسرار الحياة التي نستحق أن نعيشها.
إن التنوع والثراء الثقافي الذي تحرص على تقديمه المؤسسة الثقافية المصرية بقيادة وريادة وزيرها الدكتور أحمد فؤاد هنو _ شعلة النشاط _ تبعث طاقة الأمل؛ فمن خلال ما نرصده من فعاليات وأنشطة ثقافية وأفكار مبتكرة تقدم بصورة مستدامة، نستشعر أن لدينا أهدافًا واضحة تؤكد ماهية ومعنى الحياة؛ فنسعى لتذوقها، ويعلو طموح شهيتنا للاستمتاع بكل معنى راق أو جميل في الحياة.
ودعونا نبحر في برنامج يؤكد في غايته الرئيسة على ماهية العدالة الثقافية والذي يسمى بــ (أهل مصر)؛ حيث يقوم هذا البرنامج على فلسفة الدمج الشامل؛ فيجمع بين أطفالنا فلذات أكبادنا بكافة أماكن الوطن بالمحافظات الحدودية والقاهرة؛ لتتشكل عبر فعالياته الخبرات وتعزز القيم المجتمعية النبيلة؛ فيعمر وجدان أبنائنا الصغار بالإدراك الصحيح الذي يبث العاطفة الجياشة نحو حب الخير والسعي إلى تحقيقه، ومن ثم الرغبة في الحياة ذات المعني، والتي تتشكل جودتها من سلوك منشود يتسق مع قيمنا المجتمعية الرائعة.
ويقدم برنامج أهل مصر خدمة تقوم على تحقيق ماهية العدالة الاجتماعية في وطننا الحبيب؛ حيث التخطيط الممنهج لدمج أطفالنا بالمحافظات الحدودية مع أقرانهم من الوادي والدلتا من خلال آليات وصور النقل المتقدمة والآمنة على نفقة هذا البرنامج، مع توفير مقومات النجاح المتمثلة في الأنشطة التي تتضمن المسابقات والتثقيف والترويح وإخراج ما لدي الأطفال من مواهب وطاقات في صورة تبهج العقل والقلب؛ فلا معوق يرتبط بعامل البعد الجغرافي أو المكاني، وليس هناك تحدي يخص عمليات التنقل والسفر والترحال؛ فجميع أطفالنا المشاركين حيز الاهتمام والرعاية غير المنقوصة من خلال الوزارة وهيئاتها والقائمين عليها دون استثناء.
ولا يسعنا في هذا المقام إلا أن نتقدم بوافر التقدير والامتنان للأستاذة لاميس الشرنوبي المؤسسة لفكرة المشروع القومي أهل مصر للأطفال في مطلع 2018 م؛ حيث تشغل رئيسًا لإقليم القاهرة الكبرى وشمال الصعيد الثقافي، التابع للهيئة العامة لقصور الثقافة، والمطالع لتاريخها يجد أنه حافل بالنجاحات في خضم العمل والعطاء الثقافي بداية من توليها منصب مدير قصر ثقافة زينهم، ثم مدير قصر الطفل بجاردن سيتي، ثم مديرة الإدارة العامة لثقافة الطفل، حتى وصولها إلى منصب وكيل وزارة الثقافة وهي رئاسة إقليم القاهرة الكبرى وشمال الصعيد الثقافي.
وعندما نطالع بعمق أهداف برنامج أهل مصر نجد أن فكرة رئيسة تدور في الأذهان، تكمن في الهوية القومية عند وضع لبنات البناء الخاصة بأبنائنا بشتى ربوع الوطن، حيث نرى اهتمامًا بأطفالنا في المحافظات الحدودية يترسخ في وجداننا أهمية الحركة التنموية التي تضمن توفير مقومات الأمن القومي المصري من خلال الإعمار والنهضة لتصبح تلك المحافظات بمشيئة الله تعالى زاخرة وعامرة بأهلها ومقدراتها التي تزداد نماءً وتنمية يوم بعد يوم.
ونؤكد أن ماهية الاندماج بين الأطفال تساعد في تكوين نفسي لديهم من خلال برامج ثقافية مقننة ومخطط لأنشطتها وما بها من فعاليات حية تؤصل لصورة التفاؤل الذي يحوز وجدان نقى يساعد الطفل في أن يحيا حياة سعيدة مليئة بالمحبة والأمل والإخلاص، لا تجد الآلام النفسية طريقًا إليه، وليس للسلبية مسار إليه؛ فتبدو لديه منعة قوية ضد منغصات الحياة، ومسببات إيقاف النجاح؛ فلا يعرف أطفالنا سواءً في المناطق الحدودية وغيرها طريقًا للاستسلام أو الانهزام أو الخضوع.
ومن مستهدفات برنامج أهل مصر أن نبني إنسانًا يؤمن بفكرة التنمية في صورتها المستدامة؛ ويبدأ ذلك بتكوين نفسي يحضه بشكل قوي على اعتناق فلسفة التطور والتغيير للأفضل ويرى مستقبله بملاحظة دقيقة مشفوعة بانتباه لكل ما هو إيجابي؛ ليستثمره دومًا في تعضيد مشاعرة الموجبة، ويجدد من خلال ذلك طاقته، وتتنامى عزيمته وتقوى إرادته النفسية والبدنية، ومن ثم يشعر بذاته مع الرضا الموصول في بجدية العمل وتحسين وتطوير الأداء بصفة مستمرة، وهذا ضمانة لإيجاد جيل يستهدف الإعمار ويدحر في المقابل كل صور التطرف والإرهاب المادي منه والمعنوي.
ويشمل مخطط برنامج أهل مصر العمل على تنمية المهارات لدى أطفالنا ما بين شخصية إلى أكاديمية وفنية وصولًا بها لمراحل ومستويات الإبداع؛ فهناك تدريب عملي عبر الأنشطة يتضمن الحرف التراثية وأشغال الفنون المرتبطة ببعض الصناعات، ناهيك عن حرف التراث الحاضرة منها والنادرة؛ بالإضافة إلى الزيارات الميدانية لمعالم الثقافة والسياحة للعديد من المدن والمحافظات، وخلال ذلك تقدم صور الدعم النفسي لأطفالنا ليدركوا ماهية الثقة بالنفس ومقدرة التعبير عن الذات، والكشف عما يجول بالخواطر من أفكار تحمل إبداعًا.
والبرنامج يستهدف أيضًا الاهتمام بقضية الوعي بشتى أنماطه؛ فنضمن تعضيد سلوكيات وممارسات إيجابية تجاه العديد من القضايا الثابتة والمتغيرة والتي قد تطرأ على الساحة وتتزامن مع مجريات الأحداث الجارية، كما أن هناك تذكير بمتلون الثقافات التي تحويها أماكن بعينها مثل الثقافة النوبية وما بها من عادات وتقاليد تحترم وتقدر، ولا شك أن رعاية ذوي الاحتياجات الخاصة من أولويات العمل بهذا البرنامج القومي؛ حيث إن أطر الرعاية شاملة من حيث الكم والكيف على السواء.
نشيد ببرنامج أهل مصر القومي ونهيب بالمسئولين بوزارة الثقافة والهيئات والوزرات المعنية ببناء الإنسان أن يدعم هذا البرنامج لوجستيًا؛ حيث إن التخطيط والتنفيذ والتقويم لإطار أنشطته يمكن أن تتسع فتشمل قطاعًا كبيرًا من أطفالنا على مستوى ربوع الوطن الحبيب؛ إذ يعد هذا البرنامج أداة فعالة في تعظيم السلوكيات الحميدة، وأداة متفردة تسهم في الحد من السلوكيات غير الرغوب فيها.. ودي ومحبتي لوطني وللجميع.
أستاذ ورئيس قسم المناهج وطرق التدريس
كلية التربية بنين بالقاهرة _ جامعة الأزهر