ثم..
لم تكن فزاعة كما ظننتَ..
تلك التي صلبتها يوما، لتطرد عنك غربان الخوف..
وتحرس قلبك من جور الحنين..
من جور السنين، وهزائم الأيام..
كانت قلبي..
كانت قلبي.. الذي لم يتعلم الانتظار إلا منذ ذلك الحين..
فأخبرني..
من الذي أعطاك الحق لتتركني هناك يائسا..
مقطوع الرجاء.. خائبا..
لتلك الدرجة التي أعجز فيها أن أدفع عن نفسي ما استقدمتني لأمنعك منه..
في رفقة الصقيع، والليل، والغياب..
يليه..
أتعرف كم وجعا نام في جوفي؛ حين لوحت لي بيديك هازئا، وهاربا؟!..
أتعرف كمَّ الألم الذي خلَّفتَ في روحي؟!..
لا أظنك تعلم..
لأنك لو علمت لقضيت عمرك تستغفر من ذنبك الصغير ذاك..
ذلك الذي أشعل غابات الحزن في صدري..
وأنت في الخلف تضحك مع قوافل الذين لا يهمهم إن أحرقوا العالم..
فقط.. ليشبع بداخلهم بعثرة الأحلام بين سحب الدخان..
وددت أن أخبرك.. أنَّ الذي أحرقته لم يكن قلبا..
كان جنة أعددتها لك.. لبنةَ من حب، ولبنةَ من تقوى..
كنتُ مُريدا.. عَمِيَتْ عيناه عن العالم.. لم يخفه إن فنيَ عمره ليمنحك بعض عمرٍ..
لتستريح..
لتقر عيناك.. فتُنبتَ حلما يهدهد وجعي..
لكنك آثرت أن تظل-كما كنت-حطابا..
ذلك القاسي الذي يجمع زاد النار.. فيشقى، ويشقى غيره..
يا أيها العربيد..
كان الذي أحرقت وطنا..
لكنك أثبتٌَ لي أن الأوطان أيضا..
قد تبنى لتكتب في عداد الفقد..
لم يكن الوطن هشا..
لكن مواطنه الوحيد..
نبت من ملح الفساد..
قل لي..
كيف تمحو الدموع سيئتين في آن..
جرم الضياع، ووزر النزوح..
منذ أول رعشة.. حتى آخر يباس..
منذ عاصفة.. لا تعرف متى تستقيل..
ثم..
طعناتك القاتلة كانت تعرف طريقها إلى قلبي جيدا..
لم تعقها الريح، لم يخنها القارب..
لم يمكر بها الموج..
لم تخفها إشارات التحذير..
ولم تنصب لها فخا ذكورة الغرق..
فلماذا أوصدت الأبواب في وجه وردة كانت تحملها كفي إليك؟!..
لماذا ضلّلتَ كل دعواتي لك..
لماذا وضعتني على قائمة ضحايا الذهاب..
ثم حاسبتني على أجرة الطريق..
وعلى كل خطايا الذبول..
وفي_الأخير..
نعم..
كلانا من طين وماء..
لكننا.. جئنا مختلفين..
ومضينا أيضا مختلفين..
أنا آليت على نفسي.. إلا أن أموت على العهد الذي كان..
وآثرت أنت أن تعيش خوٌَانا..
أنا أبحث لك عن عذر يبقيك..
وأنت تتفلت مني.. كالأيام حين تخون العمر وتنصرم..
تبحث عن حجة لتمضي.. حتى وإن كانت محض كذب..
فهل يستوي دين الذهاب، ودين البقاء..
أنت خلعت ذلك الطين..
وخلعتني..
وليٌّ وشيطان..
بالله عليك كيف يجتمعان؟!..
انتهى..
النص تحت مقصلة النقد..
بقلمي العابث..