نرى ونشاهد ونتابع عن كثب مجريات الأحداث فيالعالم كله ومنطقة الشرق الأوسط على وجه الخصوص؛ حيث المعانة من حدة الصراعاتٍ العسكريةٍ المتواليةٍ والتي أدت بالفعل إلى ضعف الاستقرار على كافة المستويات السياسية والاجتماعية والثقافية والصحية والعسكرية والاقتصادية والبيئية، وهنا يلزم ضرورة التوعية بآثار الصراعات والحروب والعمل على زيادة الفهم والإدراك للعواقب المترتبة عليها خاصةً الاجتماعية والشخصية.
وتعد النزاعات والصراعات المسلحة التي تستهدف البشر والبني الفوقية والتحتية من أكثر المخاطر والأحداث المدمرة والمأساوية التي تؤثر على حياة الإنسان والمجتمع ككلٍ،وتصل هذه الأثار لحالةٍ مزمنةٍ يصعب معالجتها على المدى القريب؛ إذ تستهلك المقدرات المادية والبشرية على السواء، وتحدث شروخًا لا تلتأم بين الشعوب والمجتمعات محل الصراع، مهما حققت من مكاسب لطرفٍ على حساب طرفٍ؛ ففي نهاية المطاف الجميع خاسرٌ دون جدال.
وقيادتنا السياسية الرشيدة ومؤسسات الوطن وجموع الشعب المصري العظيميدركوا الأثار المترتبة على الحروب؛ فنتائجها سلبية على كافة مظاهر الحياةوعلى الأفراد والمجتمعات، وتتأثر كافة القطاعات بالدولة دون استثناءٍ، وفي مقدمة تلك القطاعات ما يرتبط بالمجال الاقتصادي والاجتماعي والبيئي والثقافي؛ فبواسطة الألة الحربية يتم تدمير البنى التحتية والفوقية وتصبح مناطق النزاع خرابًا لسنواتٍ طوالٍ، وتزهق الأرواح وتروي الأرض بالدماء،وتذهب الممتلكات والمقدرات في مهب الريح.
وفي خضم الأحداث الجارية نشاهد عمليات القتل والإصابات والتهجير والتلوث البيئي والتدهور الاقتصادي وانعدام الأمن والاستقرار وانتهاكات حقوق الإنسان، الناتجة عن عدوان فئة على أخرى ورد فئة على أخرى؛فآثار الحروب تمتد لتشمل الإطاحةبالصحة العقلية والعاطفية للفرد؛ إذ تتغير المعتقدات والاتجاهات لتصبح في الاتجاه السلبي الذي لا يحمل إلا اليأس والحقد والكره والبغض وتنامي الرغبة في الثأر والانتقام، وهذا يمتد لجيل تلو الآخر.
وتزيد الحروب المدمرةٌوالصراعات اللامتناهيةمن المشكلات والتحديات التي تواجهها الدول لتصل لحالات الأزمة؛ حيث تهرب رؤوس الأموال وكافة صور الاستثمارات للخارج بحثًا عن وطنٍ آمنٍ؛ فعزوف المستثمر عن مناطق الصراع أمرٌ منطقيٌ يرتبط بالعقيدة الاقتصادية في العالم كله التي يبحث عن وطن مستقر ينعم بالأمان يسير بخطىً ثابتةٍ واثقةٍ علي طريق التنمية والنهضة؛ فلا مجال للمخاطرة أو المجازفة التي قد تؤدي إلى الخسارة المحققة والمتوقعة.
وتحدثا لحروب شروخًا خطيرةً في النسق القيمي وتعمل على تبدله لدى المجتمع؛ إذ يضعف الوازع العقدي،وتختل منظومة القيم لدى الشعوب؛ نتيجةً للصدع المتفاقم عن عدم الثقة وتفشي الشائعات المغرضة والفتن التي تبثها أصحاب الأجندات الخاصة وجماعات الظلام لإحداث حالةٍ من الانقسامات داخل الدولة لسهولة شق الصف، ومن ثم ينحرف السلوك بكل سهولةٍ ويسرٍ إلي دائرةٍ ودوامةٍ من الصراعات اللامتناهية،التي تجسد لدى الفرد مقومات القلق والخوف واليأس والقنوط، والزهد في الحياة والرغبة في إلقاء النفس بالتهلكة، والنظرة المقيتة المتشائمة شديدة السواد.
تؤدي الحروب والصراعات المسلحة حتماً إلى تفكك المجتمعات والكيانات الاجتماعية، ولا يوجد عائل ولا معيل، ولا رؤساء ومرؤوسون، ولا أدوار ومسؤوليات مهمة، حيث تسود الفوضى ويتم الترويج لظروف الجريمة والسرقة والتجارة المحرمة والاتجار بالسلاح والبشر، ناهيك عن حالة العصابية والعدوانية التي تسبق الهمجية غير العقلانية وغير مبررةٍ، وصولًا لعنصرية تهدم البنيان وتهلك نسيج المجتمع وتصل به إلى عصور الظلام؛ فتعود عادات الأخذ بالثأر والتصفيات لأجل أغراضٍ وأسباب مقيتةٍ وغير حميدة يصعب حصرها، مما يؤدي إلي تدمير دور الدولة، انهيار الأمن وانفلاته وانتشار الفوضى في ربوع البلاد، وفقد وضياع الموارد الوطنية، وانتشار الأمراض والأوبئة والفقر، وتفاقم البطالة ووصولها لمعدلاتها القصوى، فضلاً عن عمليات التهجير القصري والهجرة الجماعية.
ونستقرأ مما سبق أن الحروب تحمل في طيتها آثاراً سلبية عميقة على الدول والمجتمعات من تدمير البنية التحتية، وفقدان الأرواح، وتشريد العائلات، وزيادة التوترات الاجتماعية والسياسية، وهي من نتائج الحروب التي لا يمكن تجاهلها أو التغاضي عنها، ومن الصعب بحالٍ الحد من التأثير السلبي للحرب على الدول؛ فالأفضل للجيوش ألا تندفع إلى الحروب لأسباب يمكن تداركها و معالجتها ، ومحاولة الرد بعقلانيةوالتعامل بطرائق سليمة، والجلوس إلى طاولة الحوار والتفاهم تغليباً لمصلحة الشعوب وحافظًا علي الأوطان؛ فذلك أفضل من ميراث التدمير والألم.
فالسير في سبيل السلام والإنسانية أفضل من السير في طريق الكراهية والخراب، ومن الأفضل دائمًا السعي نحو الحوار والتفاهم والسلام والاستقرار، فالتواصل الفعال والاستثمار في التعليم والتنمية الاقتصادية، وتعزيز ثقافة السلام، يمكن أن يحقق السلام ويجنب الشعوب ويلات النزاع والحروب، ويسهم في بناء مستقبل أفضل للجميع؛ فالسير في طريق تحقيق الأمن والأمان والسلام والحفاظ علي الإنسانية، يعكس القيم العليا التي يسعى إليها المجتمع، بينما الكراهية والخراب والدمار، لن تؤدي إلا إلى المزيد من المعاناة وتوريث الحقد والكراهية والعداء لأجيال وأجيال…حفظ الله بلادنا وقيادتنا السياسية الحكيمة وأبنائنا وشبابنا وشعبنا، والشعوب العالم أجمع.
أستاذ أصول التربية
كلية التربية للبنات بالقاهرة – جامعة الأزهر