كم راقبت من شرفتها في الدور الرابع جارتها الأربعينية الجديدة في الفيلا المقابلة للعمارة التي تسكنها ،مشهد يتكرر ثلاث مرات أسبوعيا لما يزيد على شهرين،أغطية الرأس ( الإيشاربات) ذات الألوان الجميلة المتناسقة مع ملابسها الأنيقة المحتشمة ، بشرتها البيضاء ،إحمرار وجنتيها ، نظارتها الشمسية الداكنة بفصوص مثل الألماس على شنبرها ، أحذيتها التي تبدو أنها غالية الزمن من الجلد الطبيعي بلا كعب ،حاملة حقيبة يد من أحدث الماركات العالمية ، متأبطة ذراع زوجها الذي يحمل بيده الأخري حقيبة سفر متوسطة الحجم ، مشيتها كالأميرات رقيقة بطيئة لاتتعدى أكثر من سبع خطوات لتركب السيارة في المقعد الخلفي بعد أن يفتح لها زوجها باب السيارة ، إنها حقا ترفل في النعم لاينقصها شيء ،سبحان العاطي الوهاب ،جمال ،مال،زوج ،ابنة واحدة عمرها حوالي ثمان سنوات ملامحها أسيوية ، لا تفارقها مربيتها الفلبينية ، تتحسر بأسى وأسف على حالها ، تتأمل في أسى فساتينها ،وأغطية رأسها ،و حقيبتها التى بدت عليها آثار القدم ، فلقد أرهقتها معيشتها مع زوجها الموظف مستور الحال وأطفالها الأربعة وحماتها القعيدة ،فصارت دوما متذمرة عصبية ، تمنت لو تعرفت على جارتها لتستجلي أكثر فأكثر حياتها ، ولكن ظروفها وانشغالها لم تسمح لها ،وعامة مامن سبيل للقائها، أو حتى مبادرتها بالتحية فالشرفة عالية ، جارتها قلما ترفع رأسها ، كانت تتحرق شوقا لمعرفة المزيد عنها، تتمنى لو أن لها حظا من النعم مثل جارتها ،فلقد كانت على قدر عال من الحسن والجمال حتى أنها فكرت بالعمل في التمثيل لكن تقاليد العائلة المحافظة حالت دون ذلك ، لفت نظرها أن جارتهم في العمارة بالطابق الأول قابلت صاحبة الفيلا سلمت عليها بحرارة ،تحدثت معها لدقائق معدودة ، افتعلت سببا لتستجلي تفاصيل عنها من تلك الجارة ، علمت أنها مريضة بالفشل الكلوي نتيجة لسرطان بالكلى ، تسبب العلاج في سقوط شعرها ، ومتاعب في عينيها ،وهي مصرية وابنتها من أطفال متلازمة داون ، ولم ترزق غيرها ، لم تطق أن تسمع تفاصيل أكثر ودعت جارتها في عجالة متعللة بتجهيز الطعام لهم إذ قرب موعد عودتهم من المدرسة ، صعدت لشقتها ارتمت على سريرها تبكي وتنتحب تستغفر الله وتحمده ، تقبل صور زوجها وأطفالها وتربت على كتف حماتها القعيدة ، وتحتضن فساتينها وحقيبة يدها التي بدت عليها آثار القدم .