تبدو ملامح فقدان الوعي السياسي لدى الفرد عندما لا يعبأ بما يدور حوله من أحداث على الساحتين المحلية والدولية متجاهلًا أو غير مهتم أو متابع؛ لذا يصعب عليه استيعاب عمق القرارات السياسية المتخذة لتحقيق غايات ومصالح الدولة العليا؛ فلا تراه مشاركًا أو متعاونًا؛ لكن تجده ناقدًا ساخطًا يلقى كل ما يواجه من مشكلات على عاتق الدولة ومؤسساتها، ولا يلقي بالًا بالنتائج والتبعات؛ فجل اهتمامه ينصب حول المنفعة التي يتحصل عليها في صورة مباشرة.
وضعف إدراك غايات النظام السياسي ومعلومية اتساقه مع نصوص الدستور، وضعف الاهتمام بالتحديات السياسية التي تواجه بلاده والمنطقة والعالم بأسره يُعد ذلك سببًا رئيسًا في صعوبة قراءة المشهد وعقبة حيال تمكنه من تحليل ما يطرح عليه من قضايا، ومعوق في استنباط العوامل المؤثرة في تلك القضايا على المستوى المحلي أو الدولي، ومن ثم يقع فريسة للشائعات المغرضة والمغالطات التي تتمخض عن آراء موجه تثار عبر الفضاء المفتوح سواءً أكان على الفضائيات أم على مواقع التواصل الاجتماعي.
وإحجام المشاركة السياسية من قبل الفرد يتأتى من فقدان الوعي السياسي لديه؛ حيث لا يتوافر ما يشجعه تجاه المشاركة السياسية كونه يمتلك قناعات واتجاهات سلبية حيال هذا الأمر؛ فلا نرصد له مشاركة تذكر سواءً بالتصويت أو التمثيل الانتخابي، أو بالتعبير عن الرأي من خلال القنوات المشروعة، ويكتفي بتوجيه النقد اللاذع لما يجرى من محافل مرتبطة بالمشاركات السياسية للوطن، كونه لا يقدر ولا يدرك أهمية المشاركة السياسية ومدى تأثيرها البالغ في تشكيل العملية السياسية.
ولا نبالغ إذ ما قلنا إن من يفتقد الوعي السياسي لا يصل لمستويات النضج الاجتماعي، وهذا الأمر لا يتعلق بالعمر أو المستوى الثقافي؛ حيث إن الوعي السياسي الصحيح يعضد حالة الديمقراطية في إطارها ومسارها المقبول، ويجعل آليات تحقيقها أكثر شفافية ونزاهة، ويحقق ماهية المسئولية التي ترتبط كلية بكل مرحلة من مراحل التطور الديمقراطي للدولة وتعمل على إنجاحها.
ومن السلبيات التي نعاني منها وقوع فاقدي الوعي السياسي فريسة لمنابر ووسائل الإعلام بتنوعاتها والتي تعتمد على جهل المتلقي من الناحية السياسية؛ حيث تنشر الشائعات المغرضة التي تستهدف زعزعة الاستقرار المجتمعي وبث الفتن بين المواطن والقائمين على إدارة شئون البلاد، بل والوصول به لمراحل فقدان الثقة والإحباط بما يجعله سلبيًا غير راغب في المشاركة بكل صورها.
والتجربة الدولية أكدت على أن هناك ثمة علاقة ارتباطية بين مراحل النهضة التي تسير عليها الدول ومستوى الوعي السياسي لدى مواطنيها؛ فكلما ازداد الوعي تقابل ذلك مع تقدم في مراحل النهضة وأسهم في شمولها لكافة المجالات بها، وبناء على ذلك يمكننا القول بأن حالة الوعي السياسي الإيجابية نشهدها في مشاركة حقيقية فاعلة نابعة من إحساس ووجدان الفرد بأنه شريك أصيل في بناء وطنه، وهذا البناء لا ينفك عن اختيار من يدير المنظومة المجتمعية سواءً أكانت مجالس نيابية أم رئاسية، وأن هذا يسهم بقوة في دعم مسيرة تقدم الدولة ومؤسساتها الوطنية.
وثمة معالجات يتوجب أن نلتفت إليها في خضم تلك القضية الشائكة التي تمثل تحديًا تجاه التنمية المستدامة ومساراتها ومجالاتها المختلفة، وهنا نبدأ بالتنوير الإعلامي الذي يجب أن يشارك بقوة في إحداث تنمية سياسية ممنهجة مستدامة لا تتوقف عند حد الحدث وفقط؛ فهذا يؤهل الفرد الذي نمده بالمعلومات والبيانات الصحيحة لأن يكون بنى معرفية سليمة تؤثر في سلوكياته وممارساته السياسية؛ فتغير من معتقداته وقناعاته غير السوية؛ ليصبح فاعلًا في مجتمعه من خلال انخراطه ومشاركاته السياسية المتعددة.
وآليات عرض وتناول القضايا السياسية يتوجب أن تصدر عن قامات في المجال تستطيع أن تقدم التحليل الموضوعي الذي يؤهل العامة من خلال قدح الأذهان بالفكرة الرئيسة جراء المشاركة السياسية، وهنا نحتاج لأمرين أحدهما الاستفاضة في العرض والأخر تحرى المصداقية والموضوعية في التناول، وهذا يعني ضرورة تجنب المنازلات والصراعات والحسابات الخاصة التي تضير بأفهام المتلقي وتجعله في حالة من الصراع المعرفي واضطراب السلوك وتشويه الوجدان.. ودي ومحبتي لوطني وللجميع.
أستاذ ورئيس قسم المناهج وطرق التدريس
كلية التربية بنين بالقاهرة _ جامعة الأزهر