احلام البحث عن السعادة وطرق تحقيقها هي الشغل الشاغل للبشر في كل مكان..الطرق الموصلة الى السعادة كثيرة بعضها سهل والاخر شديد الوعورة.. والانسان دائما يحب ركوب الصعب وفقا لطبيعة شخصيته ونفسه خاصة اذا كانت من نوع الامارة بالسوء رغم انها تبحث عن السعادة وربما ظلال السعادة..
اسهل واقرب طريق الى السعادة الحقيقية وليست المزيفة او المصطنعة هو الرضا ورغم سهولة الرضا الا انه حالة تتطلب درجة عالية من الايمان الواثق واليقين الراسخ وتتطلب جهدا وجهادا كبيرا للنفس اولا وللعقل ثانيا لان الرضا اذا لم يرتبط بالقناعة اصبح صوريا مزيفا من السهل ان ينطق المرء بلسانه بالرضا وانه راض ولكن قلبه غير مطمئن وحالة التمرد اشد واقوى بل طاغية تضيع معها معالم حالة الرضا..
الانسان المعاصر في حاجة ماسة الى ان يتعلم الرضا وكيف يصل اليه وذلك في مواجهة ضغوط الحياة ومطالبها التى لا تتوقف مع قلة ذات اليد ومع ثورة التطلعات الشديدة ومع كثرة مثيرات السخط على كل شيئ ولاتفه الاسباب او لاشدها والتى تعمل بقوة على اضعاف مستويات الرضا بشكل عام..
وحتى لا تختلط الامور على بعض المتحزلقة والمتفذلكة لابد من التفرقة بين معاني ومقاصد حالة الرضا وحال الاستسلام والخضوع والخنوع حتى وان قالوا الخضوع سياسة فليبد لك منهم خضوع على حد قول الشاعر الكبير ابن المعتز..فالفرق شاسع جدا وبينهما امور مشتبهات فمن حام حولها اوشك ان يقع فيها..حالة الرضا ليست مرتبطة فقط بالصبر على المصائب والابتلاءات ولكنها حالة عامة وخلق اصيل للانسان السوي الراغب في التماس الطريق القويم الانسان المتحضر المتفاعل والمشارك في بناء مجد وطنه وامته والمتطلع الى الامام والى الترقي في مراتب الحياة الدنيا والامل في الفوز بالاخرة..
الرضا قبل ان يكون مسألة تربوية او نفسية للوصول الى السعادة وتجنب التعاسة والقلق النفسي والاجتماعي وغيره هو مسألة ايمانية عقدية بالدرجة الاولى ومرتبطة بالمحبة لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم ومن هنا يستمد الرضا سر قوته وجمال تاثيراته وتفاعلاته في الحياة..ولهذا عده العلماء من أعلى مقامات المقربين واعتبروا انه هو باب الله الأعظم ومستراح العارفين وجنة الدنيا..
فالرضا هو سكون القلب وراحته باختيار الله عز وجل بلا جزعٍ ولا وجع وهو محبةُ ما جادَتْ به الأقدار وما حكَم به العزيز الغفار بلا ندم ولا ألم..
ولذلك لم يكن غريبا ان يحرص الرسول صلى الله عليه وسلم ان يعلم اصحابه فنون الرضا والوصول الى اعلى مراتبه في كل شئون حياتهم الدينية والدنيوية..روى أَبِو هُرَيْرَةَ ان رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم قال:مَنْ يَأْخُذُ مِنْ أُمَّتِي خَمْسَ خِصَالٍ فَيَعْمَلُ بِهِنَّ أَوْ يُعَلِّمُهُنَّ مَنْ يَعْمَلُ بِهِنَّ؟ قَالَ: قُلْتُ: أَنَا يَا رَسُولَ اللهِ قَالَ: فَأَخَذَ بِيَدِي فَعَدَّهُنَّ فِيهَا ثُمَّ قَالَ: اتَّقِ الْمَحَارِمَ تَكُنْ أَعْبَدَ النَّاسِ وَارْضَ بِمَا قَسَمَ اللهُ لَكَ تَكُنْ أَغْنَى النَّاسِ،وَأَحْسِنْ إِلَى جَارِكَ تَكُنْ مُؤْمِنًا وَأَحِبَّ لِلنَّاسِ مَا تُحِبُّ لِنَفْسِكَ تَكُنْ مُسْلِمًا وَلاَ تُكْثِرِ الضَّحِكَ فَإِنَّ كَثْرَةَ الضَّحِكِ تُمِيتُ الْقَلْبَ..أخرجه أحمد.
وفي المقابل فان السُّخطُ يفتحُ باب الشَّكِّ في اللهِ وقضائه وقدرِه وحكمتِهِ وعلمِهِ وقلَّ أنْ يَسْلَمَ الساخِطُ منْ شكٍّ يُداخلُ قلبه ويتغلغلُ فيه وإنْ كان لا يشعرُ به والرضا واليقين أخوانِ مُصطحبانِ والشَّكَّ والسُّخط قرينانِ.
وقلة الرضا سبب لتعاسة الإنسان في هذه الحياة وسبب لهجوم الهموم والغموم عليه.ولما سئل الحسن البصري: من أين التعاسة قال:”من قِلَّة الرضا عن الله.قيل له: ومن أين تأتي قلّة الرضا عن الله؟ قال:”من قلّة المعرفة بالله”.
قيل ليحيى بن مُعاذ رحمه الله: متى يبلغ العبد مقام الرضا؟ قال: إِذا أَقام نفسه على أَربعة أُصول فيما يعامل به ربِّه فيقول:إن أعطيتني قَبِلْت وإِن منعتني رضيت وإِن تركتني عبدت وإِن دعوتني أَجبت .
وقال ابن عجيبة في تفسيره:”إذا عَلِمَ العبدُ أن الله كاف جميع عباده وثق بضمانه فاستراح من تعبه وأزال الهموم والأكدار عن قلبه فيدخل جنة الرضا والتسليم ويهب عليه من روح الوصال وريحان الجمال نسيم فيكتفي بالله ويقنع بعلم الله ويثق بضمانه.
ومن جميل ما قاله ابن القيم “طريقٌ الرضا تعِب فيه آدم وناح لأجله نوح ورُمي في النار الخليل وأُضْجع للذبح إسماعيل وبيع يوسف بثمن بخس ولبث في السجن بضع سنين ونُشر بالمنشار زكريا وذُبح السيد الحصور يحيى وقاسى الضرَّ أيوب وعالج الفقر وأنواع الأذى محمد صلى الله عليه وسلم “.
وكتب الفاروق إلى أبي موسى الأشعري رضي الله عنهما يقول له:(أما بعد فإن الخير كله في الرضا فإن استطعت أن ترضى وإلا فاصبر).
وقال بعض السلف : لو قرض لحمى بالمقاريض كان أحب إلي من أن أقول لشيء قضاه الله: ليته لم يقضه .
وكان شريح القاضي يحمد الله على المصيبة أربع مرات قال أحمده إذ لم تكن أعظم مما هي وأحمده إذ رزقني الصبر عليها وأحمده إذ وفقني للاسترجاع لما أرجو فيه من الثواب وأحمده إذ لم يجعلها في ديني.
اللهم اجعلنا من اهل الحمد واهل الرضا يا ارحم الراحمين..
والله المستعان..
megahedkh@hotmail.com