عندما تتمكن الدولة من توفير ما يحتاجه الشعب وما يحقق كافة أهدافها الاقتصادية ويسمح لها بالنمو في شتى أبعاد التنمية المستدامة بما يعزز ماهية الأمن القومي بأبعاده المختلفة وبما لا يؤثر على سيادتها ومقدرتها على صناعة واتخاذ القرار الذي يسهم في استقلاليتها ويصون مقدراتها المادية والبشرية ويزيد من فرص التنمية ويدفع بعجلة الإنتاج للحد الذي يصل بها للاكتفاء الذاتي الذي من خلاله تستطيع أن تعقد شراكات مع دول العالم بما يتناسب مع سياستها والميثاق القيمي الذي تتبناه؛ حينئذ نذعن بأن الدولة لديها أمنًا اقتصاديًا.
وقد بات واضحاً أن الأمن الاقتصادي ضمانة وحماية للمجتمع إذ يلبي الحاجات الرئيسة ويدشن البنى التحتية التي توفر مقومات التعليم والصحة والسكن اللائق ويدعم المناخ المرتبط بالإنتاج ويخلق المزيد من فرص العمل التي تحد من البطالة ويحسن من الدخل القومي للدولة والفرد على حد سواء، ويقلل من حالات العوز ويجعل الشعوب تحيا حياة جيدة ومستقرة.
وفي خضم ماهية الأمن الاقتصادي تعمل الدولة وفق برنامجها وخطتها الاستراتيجية على توفير احتياجات ومتطلبات الشعب بآلية الإنتاج المستدام والتخزين الآمن والتوزيع العادل لكافة السلع، وهذا الأمر يتطلب بالضرورة جهودًا كبيرة ومهام تنظيمية على مستوى وقدر المستهدف في ضوء أساليب علمية متعارف عليها، كما أن المسئوليات مشتركة بين العديد من المؤسسات والجهات والوزرات المعنية.
وعبر بوابة الأمن الاقتصادي تستطيع الدولة أن تقضي على مظاهر الفقر المتقع وتلبي احتياجات الفرد والمجتمع وتمنع تمركز الثروة المطلق بيد فئة بعينها وتحترم الملكية الخاصة التي لا تتغول عليها والتي يتم الحصول عليها بطرائق مشروعة لا تتعدى صورة العمل والإنتاج في مساره الصحيح وفق قوانين وتشريعات حددها الدستور، وفي المقابل تصبح مقدرات الدولة الطبيعية وثرواتها ملكية عامة يستفيد منها المجتمع بأسره دون تمييز أو تفرد.
ومن مستهدفات الأمن الاقتصادي للدولة إيجاد حالة من التوازن بين فئات المجتمع عبر ضوابط مشروعة تضمن استقلالية الفرد في حرية التصرف الذي لا يضير بالغير سواءً له علاقة مباشرة به من نسب وغيره أم العلاقة تحكمها أطر مجتمعية متعارف عليها، ومن ثم فقد صارت الحرية غير مطلقة في كليتها تحقيقًا للمصلحتين العامة والخاصة.
وهناك مقومات تساعد في تحقيق الأمن الاقتصادي للدولة يأتي في مقدمتها تحمل المسئولية الجماعية التي تدعو الجميع دون استثناء للعمل الجاد والمتقن والحفاظ على مقدرات الدولة العامة منها والخاصة والرغبة في تحقيق الاكتفاء الذاتي سواءً ارتبط ذلك بالزراعة، أم الصناعة، أم غير ذلك من الأمور الاقتصادية، بالإضافة للتفاؤل والأمل تجاه زيادة الانتاج الذي يسمح بالتصدير للخارج ويتدفق على أثره النقد الأجنبي الذي يسهم في التطوير والبناء والإعمار لمشروعات الدولة القومية.
ودعونا نتفق على أن آفة الأمن الاقتصادي تكمن في مهددات الإنتاج التي تبدو واضحة في تفشي الفكر المنحرف سواءً ترجمته ممارسات العقيدة والغلو في أحكامها أو في السلوك العام بين بني الوطن الواحد؛ حيث النزاعات والخلافات التي تفضي إلى التشرذم والاقتتال بما يؤدي حتمًا لهدم الدولة ومؤسساتها العامة منها والخاصة، ومن ثم يصبح التطرف والغلو مقوض لتحقيق الأمن الاقتصادي التي تنشده الدول في مخططاتها.
ورغم فوائد التضامن الاجتماعي والتكافل بصوره الرائعة؛ إلا أن تحقيق غايات الأمن الاقتصادي للدول يتعدى ذلك بمراحل؛ حيث صورة التمكين الحقيقي التي تتأتى من مشروعات اقتصادية كبرى تدشنها الدولة وينخرط فيها أطياف المجتمع القادرة على العمل والإنتاج، مع التمسك بقيم سامية تضمن جودة المنتج؛ حيث العمل بما حضت عليه ماهية الأمانة والمصداقية والشفافية، والنزاهة، والشرف، والتيسير.
وفتح باب الاستثمارات الأجنبية المباشرة يعد مسارًا خصبًا لتحقيق الأمن الاقتصادي للدولة وفق ضوابط تعلن عنها الدولة وتنسجم مع تشريعاتها التي تضمن تحكمها وسيطرتها على المشروعات بما يعود بالنفع على المجتمع ولا يضير بمستحقاته أو قيمه والمبادئ التي تربى عليها.
وثمت العديد من الطرائق التي تسهم في تحقيق ماهية الأمن الاقتصادي بالدول؛ حيث إمكانية التمويل بالشراكة وفق قواعد يتفق عليها طرفا الشراكة سواءً أكان أفراد، أم مؤسسات، أم الدولة بذاتها، وهناك المضاربة التي تقوم على تمويل خارجي كامل مقابل أعمال من الطرف الأخر تحسب من خلالها المنافع بقدر يتفق عليها ويحقق الثمرة لكليهما.
وندرك أن استقرار الدول وتجنبها للصراعات والنزاعات المسلحة بات أمرًا لا مناص عنه لمن يبتغي تحقيق الأمن الاقتصادي لشعبه؛ فمسار التنمية لا يقبل في خضمه صور الهدم والخراب بل البناء والتعمير والتنمية.. ودي ومحبتي لوطني وللجميع.
أستاذ ورئيس قسم المناهج وطرق التدريس
كلية التربية بنين بالقاهرة _ جامعة الأزهر