ثم..
-كان على الفراق أن يتمهل قليلا..
=لماذا؟!..
-لأستقبله وأنا بكامل حزني..
فما زلت لم أحزن كما ينبغي أن يكون الحزن..
لأتدثر وجعا يليق بالتراجيديا السوداء..
وأخرج مبتسما لهذا العالم..
من سيهتم إن كنت أبتسم وجعا..
أو.. من فرط اللا مبالاة أبكي..
كان عليه أن يتريث قليلا..
لألتقط صورة رمادية لتلك الصباحات البائسة..
لهذه الملامح التي تزدحم بالحماقة..
أو.. بشيء من النبل المجنون..
ولا يهم.. فلتسقط بعدها الدنيا..
=ماذا بعد الغياب؟!..
-لا شيء..
بعض الرضوض.. عما قريب أو بعيد..
لن تُشفى..
وهل من وسيلة لجرح غائر..
ومتى كانت الجروح تغادر؟!..
أنا من هنا.. من على مذبح القلب..
أعلن الاستسلام مبكرا..
وأجنبك كل هذا العناء..
أجنبك متاهة البحث عن عذر..
فالأعذار العارية سخافة وغباء..
تتشابه كثيرا..
بعض الوجوه..
نصال السكاكين..
وصقيع الوحدة..
كلها تجز القلب..
ولا تبكي..
..ذات فجر..
لا أعرف متى كان..
سلمتني يد.. ظننتها وطنا..
كلاجئ.. بلا أوراق ثبوتية..
بلا هوية..
إلى مرافئ النسيان..
قلت لها..
دعيني.. أشرح لعينيك..
كيف تستقيل من وظيفة الدموع..
فهي لن تفسد ذلك الضحك المخبوء في أعماقك..
يكفيك أن تشعلي قلبي..كشمعة صغيرة..
تضيء لياليك الباردة بعدي..
ثم تستطردي في الشرح..
كيف أني…. كنت أغلق عليك نوافذي..
فتبادري بالجرح..
ثم.. ثم.. لا عليك..
أنا لن أقول أنك كنت تتعمدين مشقتي..
لن أخبرهم أن نصف مأساة العمر كانت في عينيك..
وأن عينيك أيضا.. تفاوض لتصنع نصفها الآخر..
ارفعي الطاولة واستريحي..
اكتبي شهادة وفاتي..
بعثري رفاتي..
ولا تبتئسي..
سأقر..
أن عينيك بريئتان..
ولا عليك في هذياني..
أنا أحببتك، وهذا ذنبي..
لكن ما ذنب الشوارع والبيوت..
وحطام الأمسيات..
ما ذنب النوافذ والأبواب؟!..
وقوافل الليل، والفراشات الحمقى، ومواقد النار..
وبقايا الضحكات..
حين تغفو على كل هذا الحزن..
ترى.. هل أحبتك مثلي؟!..
هذي الظلال..مصلوبة على الجدران..
ثم..
عام ينتهي..
لا أذكر منه شيئا..
سوى إرث الأحمال في صدري..
وتلويحة وداع عابرة..
عند الهزيع الأخير من الهجر..
وآخر يبدأ..
يشبه وجه غريب..
لا أملك شيئا أستقبله به..
سوى أثر المعارك التي اجتزتها وحدي..
وكل انكساراتي التي لم تلتئم..
وذكريات غبية..
لا تعرف طريق الخروج من متاهات الروح..
ليتني أعرف كيف أؤخره قليلا..
ليتني أملك ما أوجل به قدومه..
ولو حتى.. لعام آخر..
خال.. من الخوف..
….من الفقد والحرمان..
انتهى..
النص تحت مقصلة النقد..
بقلمي العابث..