أعلم أن الطب رسالة إنسانية قبل أن يكون مهنة ووظيفة، وأعلم أن إنسانية الأطباء وأخلاقيات المهنة التى أقسموا عليها تفرض عليهم أن يبذلوا كل جهودهم لإنقاذ حياة مرضاهم، وتحسين جودة حياة كل من يذهب إليهم شاكيا من أوجاع ومتاعب صحية.
لكن.. مع تقديرنا لكل ذلك فالأطباء ليسوا ملائكة، وليسوا معصومين من الخطأ.. بل هم بشر يصيبون ويخطئون، وتتنازعهم نوازع بشرية مثل كل البشر تدفعهم الى السعى لمزيد من الشهرة، وكسب المال، وتحقيق الرغبات الشخصية.. وهنا قد تتعارض مصلحة المريض مع رغبات الطبيب وأهدافه الشخصية أو أهداف المنشأة الصحية التى يعمل بها.. ولذلك لا تتوقف الشكوى من أخطاء بعض الأطباء التى تلحق ضررا بهم وقد يودى بحياتهم.. أو استغلالهم لجنى أرباح مبالغ فيها.
مشروع قانون المسئولية الطبية الذي وافق عليه مجلس الشيوخ منذ أيام، لا ينبغى أن يحظى بكل هذا الجدل، وليس هناك ما يبرر ثورة الأطباء عليه، لأن حقوق الأطباء ليست أهم من حقوق المرضى، وعندما يصدر قانون متوازن يحمى حقوق الأطباء والمرضى معا ينبغى أن يرحب به الجميع.
انتقادات نقابة الأطباء لعدد من نصوص مشروع القانون والخاصة ب “العقوبات”، ينبغى أن تناقش بهدوء، وأن يتحلى المتناقشون بالعدالة والموضوعية والأمانة، فالمريض الذى تهدر حقوقه بشر، ولا ينبغى أن نعفى الطبيب الذى أخطأ فى حقه وألحق به الضرر من العقاب.. ولا أجد مبررا لرفض الأطباء المثول أمام المحكمة فى الأخطاء الطبية التى تقرها لجنة من خبراء المهنة.. فالقاضى يقف أمامه كل المخطئين والمتجاوزين للقوانين ولآداب وأخلاقيات المهنة أيا كانت هذه المهنة، وهناك قضاة حاكموا زملاء لهم فى ساحة القضاء وعاقبوهم بالحبس على تجاوزاتهم.. فلماذا يُحبس القضاة والمهندسون والصحفيون والمحامون وغيرهم من أرباب المهن المختلفة، ويتأفف الأطباء من الوقوف فى ساحة المحكمة للمحاسبة على خطأ أو تجاوز مهنى أقرته لجنة خبراء من كبار الأطباء؟
أتمنى أن تناقش الجمعية العمومية الطارئة للأطباء التى أعُلن عن انعقادها يوم 3 يناير المقبل، مواد ونصوص مشروع القانون فى إطار من الموضوعية المهنية والأخلاقية وأن يقر الأطباء فى جمعيتهم بحقوق المرضى الذين قد تهدر حقوقهم على يد زملاء لهم.. ثم يفلتوا من العقوبة استنادا لقناعة بعض الأطباء بأنه لا يجوز محاكمة طبيب فى ساحة المحكمة على خطأ مهنى!!
رفض نقابة الأطباء خلال جمعيتها العمومية الطارئة لمشروع قانون المسئولية الطبية- كما يطالب نفر من الأطباء- ليس حلا للمشكلة لأن الأطباء المخطئين فى ظل القانون الجنائى الذى يطبق حاليا قد يتعرضون لعقوبات أشد، ولأن مجتمع العدالة الذى ننشده فى مصر ويحمى حقوق الجميع لن يقبل بإعفاء الطبيب المخطىء، لأن الثمن فى هذه الحالة قد يكون حياة إنسان سلم نفسه لطبيب ووثق فيه ولم يكن أهلا للثقة والأمانة.
لقد أكد د.خالد عبد الغفار نائب رئيس الوزراء ووزير الصحة أن مشروع القانون المقترح تمت دراسته ومناقشته على مدى عامين كاملين من جانب الأطباء ورجال القانون والمشروع فى صورته النهائية تلافى الملاحظات المعتبرة، وإذا كان الأطباء لهم حقوق يطالبون بها، فالمرضى أيضا لهم حقوق يجب أن تحميها مؤسسات الدولة التشريعية.
فلسفة مشروع قانون “المسئولية الطبية وحماية المريض” كما يؤكد الدكتور حسين خضير، رئيس لجنة الصحة بمجلس الشيوخ تعمل على تحقيق التوازن بين حقوق المرضى وواجبات الأطقم الطبية، ومسئولية القائمين على إدارة المنشآت الطبية، فمشروع القانون يعالج القضايا المتعلقة بالأخطاء الطبية بطريقة عادلة ومنصفة، ويراعي التطورات العلمية والتكنولوجية في المجال الصحي، إذ ينطلق من المبادئ الأساسية المتمثلة في حماية حقوق المرضى من خلال ضمان حصولهم على خدمات طبية عالية الجودة، ومعاقبة الإهمال أو التقصير الذي قد يؤدي إلى الإضرار بصحتهم أو سلامتهم.
3 / 4
ماذا يتضمن قانون المسؤولية الطبية؟
يتضمن مشروع قانون المسئولية الطبية ورعاية المريض، 4 مواد إصدار، بالإضافة إلى 30 مادة أساسية.. وبحسب مجلس الوزراء، فإن مشروع القانون يستهدف تحقيق عدة اعتبارات، منها التأكيد على الحقوق الأساسية لمتلقي الخدمة الطبية أيا كان نوعها، والارتقاء بتنظيم هذه الحقوق، مع توحيد الإطار الحاكم للمسئولية المدنية والجنائية التي يخضع لها مزاولو المهن الطبية.
ويعاقب مشروع القانون في المادة (27)، بالحبس مدة لا تقل عن ستة أشهر وبغرامة لا تجاوز مائة ألف جنيه أو بإحدى هاتين العقوبتين من تسبب من مقدمي الخدمة بخطأ طبي أدى الى وفاة مريض.
وتكون العقوبة الحبس مدة لا تقل عن سنة ولا تزيد على خمس سنين وغرامة لا تقل عن مائة ألف جنيه ولا تجاوز خمسمائة ألف جنيه أو بإحدى هاتين العقوبتين إذا وقعت الجريمة نتيجة خطأ طبي جسيم، أو كان مقدم الخدمة متعاطيا مسكراً أو مخدراً عند ارتكابه الخطأ الطبي، أو تخلى وقت الواقعة عن مساعدة من وقعت عليه الجريمة أو عن طلب المساعدة له مع تمكنه من ذلك.
وتكون العقوبة الحبس مدة لا تقل عن سنة ولا تزيد على سبع سنين إذا نشأ عن الخطأ الطبي وفاة أكثر من ثلاثة أشخاص، فإذا توافر ظرف آخر من الظروف الواردة في الفقرة السابقة كانت العقوبة الحبس مدة لا تقل عن سنة ولا تزيد على عشر سنين.
كما نصت المادة (28) على أن يعاقب بالحبس مدة لا تزيد على سنة وبغرامة لا تتجاوز خمسين ألف جنيه أو بإحدى هاتين العقوبتين من تسبب من مقدمي الخدمة بخطأ طبي في جرح متلقي الخدمة أو إيذائه.
وينص مشروع القانون على إنشاء لجنة عليا تتبع رئيس مجلس الوزراء تسمى “اللجنة العليا للمسئولية الطبية وحماية المريض”، تتولى إدارة المنظومة في الدولة من خلال آليات محددة قد يتم التوسع فيها مستقبلا بعد تقييم التجربة وقياس نتائجها.
ويتيح مشروع القانون كفالة نظام للتأمين الإلزامي للمنشآت الطبية ومقدمي الخدمة من مزاولي المهن الطبية من خلال إنشاء صندوق تأمين حكومي يتولى المساهمة في التعويضات المستحقة عن الأخطاء الطبية، وكذلك إتاحة إمكانية قيام الصندوق بالمساهمة في تغطية الأضرار الأخرى التي قد تنشأ أثناء وبسبب تقديم الخدمة الطبية ولا صلة لها بالأخطاء الطبية.
لماذا تعترض نقابة الأطباء؟
تقول نقابة الأطباء إن مشروع القانون تضمّن موادًا تقنن مسألة الحبس في قضايا الخطأ الطبي، وفي غير قضايا الإهمال الطبي الجسيم، مؤكدة رفضها الحبس في حالات الخطأ الطبي واستبداله بالتعويض مستشهدة ببعض دول العالم.
b_halawany@hotmail.com