أتابع ما يجرى فى سوريا بقلق بالغ على أشقائنا الذين تربطنا بهم أوثق العلاقات. أتألم لما يحدث من أعمال عنف وانتقام وصراعات طائفية وعرقية، وأتمنى أن تتوقف هذه الأحداث بسرعة، وأن يسود التعقل والحكمة، حتى لا تنفلت الأمور وتتحول إلى حرب أهلية. كما أخشى على سوريا من خطر التقسيم، خاصةً أن إسرائيل كانت على رأس الدول التى استغلت الأزمة، وشنت ما وصفته بأنه أكبر حملة تدمير فى التاريخ، استهدفت فيها جميع المقار العسكرية، وقصفت المطارات والموانئ والسفن الحربية والطائرات ومنظومات الدفاع الجوى بأكثر من 450 غارة جوية. بل إنها اجتاحت عدداً من القرى والمناطق الحدودية، وسيطرت على جبل الشيخ، وزحفت على وادى اليرموك. وأعلن نتنياهو أنه سيبقى فى تلك المناطق حتى يطمئن إلى أن سوريا لن تشكل خطراً على إسرائيل، وهذا لا يمكن اعتباره إلا احتلالاً وخرقاً لاتفاق الهدنة والقرارات والقوانين الدولية.
وفى الوقت نفسه، أعلنت تركيا عزمها على إقامة منطقة أمنية بطول الحدود السورية التركية، التى تمتد لنحو 600 كيلومتر وبعمق 30 كيلومتراً، أى ما يعادل 10% من مساحة سوريا. وقد تتوغل أكثر بدعوى منع أكراد سوريا من إقامة كيان مستقل، وهى حجة لا يمكن قبولها؛ لأن ذلك من صميم دور الدولة السورية، التى ينبغى الحفاظ على حدودها وسيادتها، وأن يكون قرارها بيد شعبها وحده، دون وصاية أو تدخل أو استغلال للأزمة التى تمر بها.
إن ما حدث فى سوريا يفرض علينا المزيد من الحذر والاستعداد لأى طارئ، والعمل على تحصين وحدتنا الوطنية بشكل أكبر. ولا شك أن الشعب المصرى يضع المصلحة الوطنية العليا وسلامة وأمان مصر فى مقدمة أولوياته مهما كانت الظروف والصعوبات. كما أننى على يقين بأننا جميعاً مستعدون لبذل أرواحنا فداءً لوطننا، فهذه الروح الوطنية عميقة الجذور. مصر أقدم دولة متجانسة تكاد حدودها لم تتبدل، ويعيش شعبها منذ بداية تشكل المجتمعات الإنسانية على ضفاف نيلها، شريان الحياة الذى تغذى منه أجيال بعد أجيال.
وقد زادت مناعتنا الوطنية مع التجارب التى عشناها خلال أحداث الربيع العربى وما تلاه من اهتزازات مزقت دولاً وشعوباً. وما وقع فى سوريا يجب أن يكون جرس إنذار بأن المخططات الخارجية التى تستهدف المنطقة ما زالت تسعى لتنفيذ مشاريعها. هناك مستفيدون من إحداث تصدعات فى المنطقة، و«الفوضى الخلاقة» ما زالت مشروعاً يراود بعض الدول.
وقد يكون ما حدث فى سوريا قد أنعش آمال بعض المتطرفين والدول الراعية للإرهاب فى محاولة تكرار محاولاتهم لزعزعة استقرار مصر والنيل من أمانها. وينبغى ألا ننسى ما ارتكبوه من جرائم فى حق شعبنا ووطننا. الحمد لله أن تلك الأيام السوداء كانت محدودة فى الزمن والمكان مقارنة بما شهدته دول أخرى فى المنطقة. وإن تلاحم شعبنا مع جيشنا وشرطتنا مكّن من القضاء سريعاً على تلك الجماعات المسلحة.