هناك لحظات في الحياة يصمت فيها كل شيء، إلا صوت الألم المتردد في وجداننا، كأن الزمن قد توقف ليحاصرنا في زاوية من الوجع لا نجاة منها.
وعندما تبكي الروح، لا تكون الدموع التي تسقط من العيون هي الوحيدة التي تروي القصة، إنها بقايا ألم لا يمكن التعبير عنه بالكلمات، جروح لا تشفى، وحروب داخلية تدور داخلنا ولا يراها أحد.
الروح التي تتألم لا تبكي على فراق أو فقدان عابر، بل تبكي على سنوات مضت وهي تنهار بين محاولات شاقة للبحث عن سلام داخلي، سلام ظل سرابا في عالم قاس لم يمنحها سوى الخذلان.
الروح ذلك السر الخفي الذي يسكن بداخلنا، تئن في صمت موجع، تحمل على عاتقها كل خيبة، كل خذلان، وكل طعنة غدر أو لحظة غياب.
لا يسمع أحد صرخاتها المكتومة، ولا يدرك كيف تتحطم في كل مرة تجاهد فيها للتمسك ببصيص أمل، محاوِلة أن تحسن الظن بحياة قاسية تأبى إلا أن تخذلها.
وفي ذروة الحزن، حين تتكالب عليها الأوجاع، لا تجد مفرا سوى أن تنكسر، كزجاج هش سقط من شاهق، ليتناثر شظايا حادة لا يقدر الزمن على ترميمها.
الألم يطاردها كرياح عاتية، تضربها من كل جانب،، ومع ذلك تبقى عاجزة عن البوح، محبوسة داخل سجن من وجعٍ لا يفهمه أحد ولا يحتمله القلب.
عندما تبكي الروح، فهي تبكي على جزء منها فقدته في رحلة البحث عن الأمل، على جزء من ذاتها التي أهدرته في سبيل إرضاء الآخرين.
تبكي على ثقة ضربت في الصميم، على أحلام تحطمت في لحظة مريرة.
تبكي على الزمن الذي ضاع في صراعات داخلية، في محاولات لا تنتهي لتحقيق التوازن بين رغباتٍ متناقضة وآلام لا تحتمل.
عندما تبكي الروح، فإنها لا تبكي في الفراغ، هي تبكي لأنها تحمل في داخلها قدرة لا يمكن كبحها، تبكي لأن قلبها لا يزال ينبض رغم كل الألم، تبكي لأن هناك جزءا من الأمل لا يزال يصر على البقاء، على الرغم من كل الفقدان، على الرغم من كل الوجع.
الروح لا تعرف الاستسلام أمام الألم، بل تجد في كل معركةٍ قوة تدفعها للنهوض، لتواجه الحياة من جديد بكل صلابتها، وتبدأ رحلة جديدة نحو السلام الذي طالما كانت تسعى إليه.
وعندما تبكي الروح، فإنها تبكي لتنظف نفسها من كل هذا العبء، لتزيل عن كاهلها أحمالا قد تراكمت عبر الزمن.